الثاني : قد يقصد بأفعل أصل الفعل ، فلا تفضيل فيه ، ويجرى حينئذ مجرى ما قصد به التفضيل مطلقا من وجوب المطابقة كقولهم : الناقص والأشج أعدلا بني مروان ، أي عادلاهم ، لأنّهما لا يشاركهما أحد من بني مروان في العدل ، والناقص هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مراون ، لأنّه نقص أرزاق الجند ، والأشج بالشين المعجمة والحجيم هو عمر بن عبد العزير ، لقّب بذلك ، لأنّه كان بجبينه أثر شجّة من دابة ضربته.
الثالث : التفضيل الّذي ذكره المصنّف (ره) في المستعمل مضافا أنّما يجري في المضاف المعرفة ، وأمّا المضاف للنكرة فيلزمه الإفراد والتذكير لموافقته المستعمل بمن في التنكير ، نحو : زيد أفضل رجل ، والزيدان أفضل رجلين ، والزيدون أفضل رجال ، وهند أفضل امرأة ، والهندان أفضل امرأتين ، والهندات أفضل نساء ، أي زيد أفضل من كلّ رجلين قيس فضله بفضله ، والزيدان أفضل من كلّ رجل قيس فضلهما بفصلهما ، والزيدون أفضل من كلّ رجال قيس فضلهم بفضلهم ، وكذا الباقي.
عمل اسم التفضيل : هذه «تبصرة» في بيان إعمال اسم التفضيل ، و «يرفع الضمير المستتر إجماعا» نحو : زيد أفضل ، ففي أفضل ضمير مستتر مرفوع على الفاعلية يعود إلى زيد ، وإنّما عمل فيه لضعفه ، لأنّ وجوده خفيّ ، ولا يختلف لفظه بالتّكلّم والخطاب والغيبة ، والعمل فيه كلا عمل ، فلم يحتج إلى ما (١) يقوّي العامل على العمل فيه.
«ولا ينصب المفعول به إجماعا» ، فلا يقال : زيد أشرب الناس عسلا ، لأنّه التحق بالأفعال الغريزيّة ، وما أوهم ذلك فهو منصوب بفعل مقدّر دالّ عليه ، نحو ، قوله تعالى : (هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام / ١١٧] ، فمن ليست مفعولا بأعلم ولا مضافا إليه ، لأنّ أفعل بعض من يضاف إليه ، فيكون التقدير أعلم المضلّين ، فهو محال ، بل هو منصوب بفعل محذوف يدلّ عليه أعلم ، أي يعلم من يضلّ.
وعلى هذا فمن موصولة أو موصوفة ، هذا هو الظاهر ويحتمل أن تكون استفهامية في محل رفع على أنّه مبتدأ ، ويضلّ خبره ، والجملة في محل نصب ، علّق عنها العامل ، والاستفهام للتعجّب من شان الضّالّ المتبع للظنّ الكاذب ، وتجويز الكواشي (٢) كون من موصولة أو موصوفة في حمل جرّ بالباء المحذوفة ، أو باضافة أعلم إليه ليس بشيء لامتناع الثاني ، كما علم ، وضعف الأوّل لشذوذ حذف حرف الجرّ مع بقاء عمله.
__________________
(١) سقطت «فلم يحتج إلى ما» في «ح».
(٢) أحمد بن يوسف بن حسن بن رافع الإمام موفق الدين الكواشيّ الموصلي برع في العربية والقراءات والتفسير ، وله التفسير الكبير والصغير ومات سنة ٦٨٠ ه ، المصدر السابق ١ / ٤٠١.