رفع المضارع
يرتفع المضارع بالتجرّد عن الناصب والجازم : والكلام الآن في ما عدا ذلك ، «يختصّ» الفعل «المضارع» من بين أقسام الفعل «بالإعراب» ، وذلك لمشابهته الاسم فيما مرّ «فيرتفع بالتجرّد عن الناصب والجازم».
هذا أحد الأقول في رافعه ، وهو قول الفرّاء وحذّاق الكوفيّين ، وأورد عليه أن التجرّد أمر عدميّ ، والرفع وجوديّ ، والعدمّي لا يكون عاملا في الوجودي ، وردّ بمنع كونه عدميّا ، بل هو الإتيان بالمضارع على أوّل أحواله ، وهذا ليس بعدميّ ، ولو سلم فمن أين أنّه لا يعمل في الوجوديّ ، بل يعمل ، لأنّه هنا علّة لا مؤثّر ، كما في المبتدإ.
وذهب الكسائيّ إلى أنّ رافعه حرف المضارع (١) ، وثعلب إلى أنّه مضارعته الاسم ، والبصريّون إلى أنّه وقوعه موقع الاسم. قالوا : ولهذا إذا أدخل عليه نحو : إن ولم ولمّا امتنع رفعه ، لأنّ الاسم لا يقع بعدها ، فليس حينئذ واقعا موقع الاسم.
قال ابن هشام : وأصحّ الأقوال الأوّل ، وهو الّذي يجري على ألسنه المعربين ، حيث يقولون : مرفوع لتجرّده عن الناصب والجازم. قال : ويفسد قول الكسائيّ أنّ جزء الشيء لا يعمل فيه ، وقول ثعلب إنّ المضارعة أنّما اقتضت إعرابه من حيث الجملة ، ثمّ يحتاج كلّ نوع من أنواع الإعراب إلى عامل يقتضيه ، ثمّ يلزم على المذهبين أن يكون المضارع مرفوعا دائما ، ولا قائل به.
ويردّ قول البصريّين ارتفاعه بعد هلّا يقوم ، إذ الاسم لا يقع بعد حرف التحضيض وإنّما يرجّح عامل النصب والجزم على عامل الرفع. إذا دخل على الفعل لقوّته ، إذ هو لفظيّ ، وعامل الرفع معنويّ ، انتهى. وهو خلاف لا ثمرة له ، إذ لا ينشأ عنه حكم نطقيّ.
المضارع المنصوب ونواصبه
و «ينتصب» بحرف من أربعة أحرف على الأصحّ :
احدها «لن» وبدأ بها لملازمتها النصب ، نحو : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ) [طه / ٩١] ، وهي حرف بالإجماع بسيطة على وضعها الأصليّ عند سيبويه والجمهور. وادّعى الفرّاء أنّ أصلها لا النافية ، فأبدلت الألف نونا ، وحجّته أنّهما حرفان نافيان ثنائيان ولا
__________________
(١) هذا القول فاسد ، لأنّ حرف المضارع بعض الفعل ، ولا ينفصل منه في اللفظ ، بل من تمام معناه. أبو البركات الانباري ، الإنصاف في مسائل الخلاف ، الجزء الثاني ، لاط ، صيدا ـ بيروت ، المكتبة العصرية ؛ ١٤١٩ ه ، ص ٥٥٤.