على أنّ القول بأنّ هذه مصدريّة مهملة هو قول البصريّين ، وقال الكوفيّون : إنّها المخفّفة من الثقلية ، شذّ اتصالها بالفعل المتصرّف الخبريّ ، والقياس فصله منها بقد أو إحدى أخواتها.
أن بعد العلم غير ناصبة : وأن «الّتي بعد العلم» الخالص ، سواء دلّ بمادّة (ع ل م) أم لا «غير ناصبة» لأنها ليست المصدريّة ، بل هي المخفّفة من الثقيلة ، فتعمل عملها ، لأنّ أن الناصبة علم الاستقبال ، فما بعدها غير معلوم التحقّق ، فلا يقع بعد العلم بخلاف المخفّفة ، لأنّها للتحقيق فتناسب العلم. وتقييد العلم بالخالص احترازا من إجرائه مجرى الإشارة نحو قولهم : ما علمت إلا أن تقوم. قال سيبويه : يجوز النصب ، لأنّه كلام خرج مخرج الإشارة ، فجرى مجرى قولك : أشير عليك أن تقوم ، انتهى.
ومن إجرائه مجري الظنّ كقراءة بعضهم : (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ) [طه / ٨٩] ، بالنصب وقولنا : سواء دلّ عليه بمادة (ع ل م) أم لا تعميم لنحو قوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) [المزمل / ٢٠] ، (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ ،) ومثل ذلك كلّ ما يؤدّي معناه كالتبيّن والتيقّن والانكشاف والظهور والنظر الفكريّ والايحاء ونحو ذلك.
وفي أن الّتي بعد الظّن وجهان : إهمالها بناء على تأويله بالعلم ، وإعمالها إجراء له على أصله ، وهو الأرجح عقلا ونقلا ، لأنّ التأويل خلاف الأصل ، والأكثر في لسان العرب النصب بعده ، ولذا أجمع القرّاء عليه في : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) [العنكبوت / ٢] ، واختلفوا في قوله : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) [المائدة / ٧١] ، فقراءة غير أبي عمرو وحمزة والكسائيّ بالنصب ، والثلاثة بالرفع.
قال أبو حيّان : وليس في الواقعه بعد الشكّ إلا النصب. وأجراها سيبويه والأخفش بعد الخوف مجراها بعد العلم لتيقّن الخوف ، نحو : خفت أن لا يفعل ، وخشيت أن تقوم ، ومنه قوله [من الطويل] :
٦٩١ ـ ... |
|
أخاف إذا ما متّ أن لأأذوقها (١) |
ومنع ذلك الفرّاء ، وترد أن مفسّرة وزائدة أيضا ، سيأتي الكلام عليهما في الحديقة الخامسة إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) صدره «ولا تذفننّي في الفلاة فإنّني» ، وهو لأبي مجحن التفقي.