استعمال لفظ الخصوص وما يتفرّع منه : قلت : الأصل في لفظ الخصوص وما يتفرّع منه أن يستعمل بإدخال الباء على المقصور عليه ، أعني ما له الخاصّة ، فيقال : اختصّ المال بزيد ، أي المال له دون غيره ، وذلك كما لو قلنا : ويختصّ الجرّ بالاسم ، وهذا هو الاستعمال العربيّ الّذي يسبق إلى الفهم.
ولكن شاع في العرف إدخال الباء على المقصور ، أعني الخاصّة ، كما استعمله المصنّف وذلك إمّا بناء على جعل التخصيص مجازا عن التمييز مشهورا في العرف ، أو على تضمين معنى التمييز والاقتران ، فيلاحظ المعنيان معا ، وحاصله يرجع إلى ملاحظة معنى التمييز ، لأنّ تخصيص شيء بشيء في قوّة تمييز الآخر به ، وهو الأنسب بمثل هذا المقام كما لا يخفي ، وأبي بعضهم إلا هذا الاستعمال ، وشدّد النكير (١) على من خالفه. قيل : وإنّما اختصّ الاسم بالجرّ ، لكونه أثر حرف الجرّ ، وهو من خواصّ الاسم ، فكذا الجرّ ، وإلا لزم تخلّف الأثر عن المؤثّر.
قال الفاضل الهنديّ (٢) : ـ وفيه نظر ـ ووجهه أنّه لا يلزم من اختصاص المؤثّر اختصاص الأثر ، فإنّ الأثر قد يثبت بمؤثرات شتّي ، ألا ترى أنّ لن من خواصّ الفعل ، وأثرها وهو النّصب لا يختصّ الفعل به ، بل يدخل في الاسم بمؤثر آخر ، وأجيب بأنّ ذلك فيما إذا كان للأثر مؤثّرات شتّي كالنصب ، أمّا إذا كان له مؤثّر خاصّ فلا ، وهو هاهنا كذلك ، إذ ليس للجرّ مؤثّر سوى حرف الجرّ ، وهو بناء على أنّ العامل في المضاف إليه حرف الجرّ مقدرا ، والأصحّ خلافه كما سيأتي.
وأحسن ما قيل في تعليل ذلك أنّ الاسم أصل في الإعراب ، والمضارع فرع ، فحطّ إعراب الفرع عن إعراب الأصل بجعل ما هو أصل البناء إعرابا فيه ، وهو الجزم ، ومنع الجرّ عنه ، لئلا يزيد إعراب الفرع على الثلاثة ، ويختصّ بدخول اللّام الساكنة المسبوقة بهمزة الوصل ، ويعبّر عنها بأل ، فخرج نحو لام الابتداء وجواب القسم وجواب لو ولولا لدخولهنّ على الفعل ، والمراد باللام المذكورة اللام المعرفة ، إذ هي المتبادرة عند الأطلاق ، حتّى إذا أريد غيرها قيّدت ، فيقال : أل الموصولة أو الزائدة.
قيل : وإنّما اختصّ بها ، لأنّها موضوعة لتعريف الذات ، والموضوع للذات هو الاسم ، وفيه نظر ، ويجوز أن يراد باللام ما هو أعمّ من المعرفة لتدخل الموصولة والزائدة ، ويحمل دخولها على المضارع كإلى جدّع في قوله [من الطويل] :
__________________
(١) النكير : الإنكار.
(٢) لعلّه شهاب الدين أحمد بن عمر الهنديّ المتوفي سنة ٨٤٩ ه من شرّاح الكافية في النحو. كشف الظنون ٢ / ١٣٧١.