بيان أنّ النعمة أي الجودة المحكوم بثبوتها خارجا ليست ثابتة ، وكذا في التعجّب وفي كم وربّ ، انتهى.
نعم وبئس وما جرى مجراهما : «فمنها» أي من أفعال المدح والذمّ «نعم وبئس» ، بكسر الأوّل وسكون الثاني ، نحو : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ) [ص / ٤٤] ، ونحو : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) [الكهف / ٥٠] ، وأصلهما فعل بفتح الفاء وكسر العين ، وقد يردان به ، قال طرفة [بن العبد من الرمل] :
٧٤٣ ـ ما أقلّت قدم أنّهم |
|
نعم الساعون في الأمر المبر (١) |
وقد يقال : نعم وبئس بسكون العين وفتح الفاء تخفيفا. قال أبو حيّان : ولم يذكروا له شاهدا. ونعم وبئس بكسر العين والفاء معا اتباعا قال تعالى : (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) [النساء / ٥٨]. ويقال في بئس : بئس ، بفتح الباء وبياء ساكنة مبدلة من الهمزة على قياس ، حكاه الأخفش والفارسيّ.
قال بعضهم : والأفصح نعم بكسر الفاء وسكون العين ، وهي لغة القرآن ، ثمّ نعم بكسرهما وعليه : (فَنِعِمَّا هِيَ) [البقرة / ٢٧١] ، ثمّ نعم بفتح الفاء وكسر العين ، وهي الأصليّة ، ثمّ نعم بفتح الفاء وسكون العين ، والقول بفعليتها مذهب البصريّين والكسائيّ من الكوفيّين بدليل اتّصال التاء الساكنة بهما عند جميع العرب. وفي الحديث : من توضّأ يوم الجمعة فيها ونعمت (٢). وتقول : بئست المراة حمالة الحطب.
وذهب الكوفيّون سوى الكسائيّ إلى أنّهما اسمان لدخول حرف الجرّ عليهما ، كما في قول بعضهم ، وقد بشّر ببنت : والله ما هي بنعم الولد. وقول آخر ، وقد سار إلى محبوبته على حمار بطيء السير : نعم السير على بئس العير. ووهم الدمامينيّ في تفسيره السير هنا بقوله شيء يقدّ من الجلد ، ويجعل في عنق البهيمة. وأجيب عن ذلك بأنّه مؤوّل بحذف الموصوف وصفته وإقامة معمول الصفة مقامهما ، والتقدير ما هي بولد مقول فيه : نعم الولد ، ونعم السير على عير مقول فيه بئس العير ، فحرف الجرّ في الحقيقة إنّما دخل على اسم محذوف.
وفي حكاية الخلاف في حقيقتهما طريقة أخرى ، وهي الّتي حرّرها ابن عصفور في تصانيفه المتأخّرة ، فقال : لم يختلف أحد من البصريّين في أنّ نعم وبئس فعلان ، وإنّما
__________________
(١) اللغة : المبر : اسم الفاعل من أبرّ فلان على أصحابه ، أي : غلبهم أي : هم نعم الساعون في الأمر الغالب الّذي عجز الناس عن دفعه.
(٢) سنن الترمذي ، ٢ / ٣٦٩ ، رقم ٤٩٧.