في المعنى ، وكذا يذكر المخصوص بعد التمييز ، لأنّه قائم مقام الفاعل المضمر ، ولا يجوز تأخّره عن المخصوص إلا في ضرورة خلافا للكوفيّين ، وعلى مذهبهم بني الحريري قوله في الملحة (١) [من الرجز] :
٧٥٦ ـ تقول منه نعم زيد رجلا |
|
وبئس عبد الله منه بدلا |
والسرّ في ذلك أنّه لمّا كان نعم وبئس للمدح العامّ والذّمّ العامّ الشايعين في كلّ خصلة محمودة أو مذمومة المستعبد تحقيقها ، سلكوا بهما في الأمر العامّ طريقي الإجمال والتفصيل لقصد مزيد التقرير ، فجاؤوا بعد الفعل بما يدلّ على المخصوص بالمدح والذمّ ، حتّى يتوجّه المدح والذمّ إلى المخصوص به أولّا على سبيل الإجمال لكونه فردا من الجنس ، ثمّ عقّبوه بذكر المخصوص ، حتّى يتوجّه المدح والذّمّ إليه ثانيا على سبيل التفضيل ، فيحصل من تقوي الحكم ومزيد التقرير ما يزيل ذلك الاستبعاد.
إعراب المخصوص : واختلف في رفع المخصوص ، فقيل : «يجعل مبتدأ مقدّم الخبر» ، فهو الجملة قبله ، «أو» يجعل «خبرا محذوف المبتدإ» وجوبا ، فتقدير نعم الرجل زيد ، الممدوح زيد ، والوجهان جائزان عند الجمهور. وقال سيبويه وابن الخروف وابن الباذش : يتعيّن الأوّل ، وقيل بتعيّن الثاني ، وقيل : يجعل مبتدأ محذوف الخبر وجوبا ، وإليه ذهب ابن عصفور ، قال ابن مالك في شرح التسهيل : وليس بصحيح ، لأنّ هذا الحذف لازم ، ولا نجد خبرا يلزم حذفه ، إلا ومحلّه مشغول بشيء يسدّ مسدّه ، وقيل : يجعل بدلا من الفاعل ، وإليه ذهب ابن كيسان ، وردّ بأنّه لازم ، ولا شيء من البدل بلازم (٢).
ومثّل المصنّف (ره) للأحكام المذكورة بقوله : «نحو نعم المرأة هند وبئس نساء الرجل الهندات ، وساء رجلا زيد» وتقول أيضا : نعم الرجل زيد ، ونعم رجلا زيد ، ونعم الرجلان الزيدان ، ونعم رجلين الزيدان ، ونعم المرأتان الهندان ، ونعم المرأتين الهندان ، ونعم الرجال الزيدون ، ونعم رجالا الزيدون ، ونعم النساء الهندات ، ونعم نساء الهندات ، وقس على ذلك.
تنبيهات : الأوّل : للمخصوص أحكام لم يذكرها المصنّف طلبا للاختصار ، ولا بأس بذكرها.
__________________
(١) ملحه الإعراب منظومة في النحو لأبي محمد قاسم بن على الحريريّ المتوفى سنة ٥١٦.
(٢) المشهور والمقبول من هذه الآراء الرأي الأوّل والثاني ، يعني المبتدأ المؤخّر ، أو خبر لمبتدإ محذوف ، وابن مالك أيضا يختارهما ، وهو يقول :
ويذكر المخصوص بعد مبتدأ |
|
أو خبر اسم ليس يبدو أبدا |
(شرح ابن عقيل ٢ / ١٦٦)