الثالث : يجوز في فاعل الفعل المجري نعم وبئس الجرّ بالباء الزائدة والاستغناء عن أل وإضماره على وفق ما قبله كقوله [من المديد] :
٧٥٨ ـ حبّ بالزّور الّذي لا يرى |
|
منه إلا صفحة أو لمام (١) |
ونحو : فهم زيد والزيدون كرموا رجالا نظرا لما فيه من معنى التعجّب.
حبّذا ولا حبّذا : «ومنها» أي من أفعال المدح والذّمّ «حبّ ولا حبّ ، وهما كنعم وبئس» فحبّ كنعم ، ولا حبّ كبئس ، وتزيد حبّ على نعم بأنّها تشعر بأنّ الممدوح محبوب للقلب وقريب من النفس ، وأصلها حبب بضمّ العين ، أي صار حبيبا محوّلا من حبب بفتحهما ، ثمّ ادغم فصار حبّ ، وألزم منع التصرّف لما مرّ.
تنبيه : دخول لا في الذمّ على حبّ لا يخلو من إشكال ، لأنّ لا لا تدخل على فعل ماض جامد ، ولا يعمل في اسم إذا لم يكن جنسا ، ولا يكون غير مكرّرة ، إذا لم تعمل في الاسم الّذي دخلت عليه إلا على قول أبي الحسن وأبي العباس ، وهو ضعيف ، قاله في التصريح.
«والفاعل» أي فاعل حبّ ولا حبّ «ذا مطلقا» أي في حالة الإفراد وضدّية والتذكير وضدّه ، فلا يتغيّر عن الإفراد والتذكير ، وإن كان المخصوص بخلاف ذلك بل يقال : حبّذا زيد ولا حبّذا هند ، وحبّذا الزيدان ، ولا حبّذا الهندان ، وحبّذا الزيدون ، ولا حبّذا الهندات. قال [من الطويل] :
٧٥٩ ـ ألا حبّذا أهل الملأ غير أنّه |
|
إذا ذكرت ميّ فلا حبّذا هيا (٢) |
واختلف في علّة التزام ذلك ، فقال ابن مالك : لأنّ ذلك كلام جرى مجري المثل ، والأمثال لا تغيّر كما في قولهم : في الصيف ضيّعت اللبن (٣) يقال لكلّ بكسر التاء وإفرادها ، ونسب هذا القول للخليل ، وقال ابن كيسان : لأنّ المشار إليه مضاف محذوف ، و
__________________
(١) هو للطرماح بن حكيم ، اللغة : صفحة الشيء : جانبه. اللمام : جمع لمّة ، وهي شعر الرأس الّذي يصل إلى شحمة الأذن.
(٢) هو لذي الرّمة أو لكترة أم شملة. اللغة : الملأ : الجماعة.
(٣) ويروي «الصيّف ضيّعت اللبن» والتاء من ضعيف مكسور في كلّ حال ، إذا خوطب به المذكّر والمونث والاثنان والجمع ، لأن المثل في الأصل خوطبت به امرأة ، وهي دختنوس بنت لقيط بن زرارة كانت تحت عمرو بن عداس ، وكان شيخا كبيرا ففركته (فركته : كرهته) فطلقها ، ثمّ تزوّجها فتي جميل الوجه ، أجدبت ، فبعثت إلى عمرو تطلب منه حلوبه فقال عمرو «في الصيف ضعيت اللبن» فلمّا رجع الرسول ، وقال لها ما قال عمرو ، ضربت يدها على منكب زوجها ، وقالت : «هذا ومذقه خير» تعني أنّ هذا الزوج مع عدم اللبن خير من عمرو. فذهبت كلماتها مثلا. فالأوّل يضرب لمن يطلب شيئا قد فوّته على نفسه ، والثاني يضرب لمن قنع باليسير إذا لم يجد الخطير. وإنّما خصّ الصيف لأن سؤالها الطلاق كان في الصيف ، أو أن الرجل إذا لم يطرق ماشيته في الصيف كان مضيعا لألبانها عند الحاجة. الميداني ، مجمع الأمثال ، الجزء الثاني ، الطبعة الثانية ، بيروت ، دار الجيل ١٤٠٧ ه. ص ٤٣٤.