أفعال القلوب
ص : فصل : أفعال القلوب : أفعال تدخل على الاسمية لبيان ما نشأت منه من ظنّ أو يقين. وتنصب المبتدأ والخبر مفعولين ، ولا يجوز حذف أحدهما وحده ، وهي : «وجد» و «ألفى» لتيقّن الخبر ، نحو : (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ ،) و «جعل» و «زعم» لظنّه ، نحو : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً ،) و «ظنّ» و «خال» و «حسب» لهما ، والغالب فيها الظّنّ ، نحو : حسبت زيدا قائما.
مسألة : وإذا توسّطت بين المبتدإ والخبر ، أو تأخّرت ، جاز إبطال عملها لفظا ومحلّا ، ويسمّى «الإلغاء» نحو : زيد علمت قائم ، وزيد قائم علمت ، وإذا دخلت على الاستفهام أو النّفي أو اللّام أو القسم وجب إبطال عملها لفظا فقط ، ويسمّى «التعليق» ، نحو : (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى ،) وعلمت لزيد قائم.
ش : هذا فصل في الكلام على «أفعال القلوب» ، وسمّيت بذلك ، لأنّ معانيها قائمة بالقلب ، وتسمّي أيضا أفعال الشّكّ واليقين ، واليقين هو التصديق الجازم المطابق الثابت ، قال بعضهم : وكأنّهم أرادوا بالشك الظّنّ ، وإلا فلا شيء منها بمعنى الشكّ المقتضي تساوي الطرفين ، وردّ بأنّه من خلط اللغة باصطلاح الميزانيين ، وإلا ففي اللغة الشكّ خلاف اليقين.
«أفعال تدخل على الجملة الاسمية لبيان ما نشأت» تلك الجملة «منه من ظنّ أو يقين» ، كما إذا قلت : ظننت زيدا قائما ، فقولك : علمت لبيان أنّ ما نشأت الجملة عنه ، حين تكلّمت بها ، وأخبرت بها عن قيام زيد إنّما هو الظنّ. وإذا قلت : علمت زيدا قائما ، فقولك : علمت لبيان أنّ منشأ الإخبار بهذه الجملة هو العلم ، وكذلك بواقي الأفعال ، والحاصل أنّ المقصود بالإفادة معاني هذه الأفعال لا الجملة الداخلة عليها ، وتلك الجملة فضلة متعلّقة بمعاني تلك الأفعال بخلاف الأفعال الناقصة ، فإنّ المقصود بالإفادة الجملة المدخولة لها.
وتنصب المبتدأ والخبر مفعولين ، فما كان مبتدأ يصير مفعولا أوّلا ، وما كان خبرا يصير مفعولا ثانيا ، نحو : حسبت زيدا قائما ، هذا مذهب الجمهور ، وذهب السهيليّ إلى أنّ المفعولين في باب ظنّ ليس أصلهما المبتدأ والخبر ، بل هما كمفعولي أعطى ، في أنّ الفعل استعمل معهما ابتداء ، قال : والّذي حمل النّحويّين على القول بدخول هذه الأفعال على المبتدإ والخبر أنّهم رأوا أنّه يجوز أن يكون من مفعوليها مبتدأ وخبر ، قال : وهذا باطل بدليل أنّك تقول : ظننت زيدا عمرا ، ولا تقول : زيد عمرو إلا على وجه التشبيه ، وأنت لم ترد ذلك مع ظننت ، إذ القصد أنّك ظننت زيدا عمرا نفسه لا شبه