عمرو (١). وقال أبو حيّان : الصحيح قول النّحويّين ، وليس دليلهم ما توهّمه ، بل دليلهم رجوع المفعولين إلى المبتدإ والخبر ، إذا ألغيت هذه الأفعال ، انتهى ، فتدبّر.
قال بعضهم : وقد يقال معنى قول النحاة : إنّها تدخل على المبتدإ والخبر أنّها تدخل عليهما في الجملة ، لا أنّها لا تدخل إلا عليهما ، فلا يرد حينئذ ظننت زيدا عمرا وأمثاله ، ثمّ إنّ ما نقل عن السهيليّ مشكل ، كيف؟ وشواهد الدخول عليهما أكثر من أن تحصر ، وأشهر من أن تذكر ، وذهب الفرّاء إلى أنّ الثاني منصوب على التشبيه بالحال مستدلّا بوقوعه جملة وظرفا وجارّا ومجرورا ، وعورض بوقوعه معرفة وضميرا وجامدا ، وبأنّه لا يتمّ الكلام بدونه.
حذف المفعولين أو أحدهما : «ولا يجوز حذف أحدهما» أي المفعولين «وحده» اقتصارا بالاتّفاق ، لأنّ أصلهما المبتدأ والخبر ، فكما لا يجوز أن يؤتى بمبتدإ دون خبر ، ولا بخبر دون مبتدإ قبل دخول الناسخ ، فكذلك بعده ، وأمّا حذفه اختصارا فأجازه الجمهور ، ومنعه طائفة ، منهم ابن الحاجب.
وصححّه ابن عصفور وأبو إسحاق بن ملكون ، وهو قضية إطلاق المصنّف ، وحجّتهم أنّ المفعول في هذا الباب مطلوب من جهتين : من جهة العامل فيه ، ومن جهة كونه أحد جزئي الجملة ، فلمّا تكرّر طلبه إمتنع حذفه ، كذا قالوا ، وما قالوه منتقض بخبر كان ، فإنّه مطلوب من جهتين ، ولا خلاف في جواز حذفه اختصارا ، وقد ورد السماع هنا بالحذف ، قال تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ) [آل عمران / ١٨٠] ، أي بخلهم ، فحذف المفعول الأوّل ، وكقوله [من الكامل] :
٧٧٤ ـ ولقد نزلت فلا تظنّي غيره |
|
منّي بمنزلة المحبّ المكرم (٢) |
أي فلا تظنّي غيره واقعا ، فحذف المفعول الثاني.
وأمّا حذفهما معا اختصارا فجائز بالإجماع ، نحو : (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [القصص / ٦٢]. وقوله [من الطويل] :
٧٧٥ ـ بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة |
|
ترى حبّهم عارا على وتحسب (٣) |
__________________
(١) في «ح» من إلا على وجه التشبيه حتّى هنا محذوف.
(٢) هو لعنترة بن شدّاد العبسي. اللغة : المحبّ : اسم المفعول من أحبّ ، وهو القياس ، ولكنّه قليل في الاستعمال ، والأكثر أن يقال في اسم المفعول : المحبوب ، أو الحبيب ، مع أنّهم هجروا الفعل الثاني ، وفي اسم الفاعل قالوا : محبّ ، من الفعل المستعمل الّذي هو المزيد فيه. لسان العرب ١ / ٧١٣.
(٣) هو للكميت.