والظنّ في حسب نحو قولك : «حسبت زيدا قائما» ، أي ظننته قائما ، وقول الشاعر [من الطويل] :
٧٨٩ ـ وكنّا حسبنا كلّ بيضاء شحمة |
|
ليالي لا قينا جذام وحميرا (١) |
واليقين فيها نحو قوله [من الطويل] :
٧٩٠ ـ حسبت التقى والجود خير تجارة |
|
رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقلا (٢) |
تنبيهات : الأوّل : تأتي وجد بمعنى حزن وحقد ، فلا يتعدّى بنفسها نحو : وجدت على الميّت ، أي حزنت عليه ، ووجدت على المسيء ، أي حقدت عليه ، ويختلفان في المصدر ، فمصدر الأولى وجد ، والثانية موجدة. (٣)
وترد علم بمعنى عرف ، ورأي بمعنى ذهب من المراي أي المذهب ، وظنّ بمعنى اتّهم ، وحجا بمعنى نوي وقصد ، فيتعدّين إلى واحد ، نحو : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) [النحل / ٧٨]. وتقول : رأي أبو حنيفه حلّ كذا ، ورأى الشافعيّ حرمته ، وفقد لي مال فظننت زيدا ، أي اتّهمته ، ومنه : وما هو على الغيب بظنين [التكوير / ٢٤] ، أي بمتّهم على الغيب. وأمّا من قرأ بالضاد فالمعنى ما هو ببخيل ، وتقول : حجوت بيت الله ، أي نويته ، وقصدته.
وإنّما لم يحترز المصنّف عن هذه الأفعال ، وإن كان يشملها قولنا أفعال القلوب ، لأنّ معانيها قائمة بالقلب لعدم دخولها في الحدّ المقدّم ذكره.
الفرق بين علم وعرف : وتأتي هذه الأفعال وبقية أفعال الباب لمعان أخر غير قلبيّة ، فلا تتعدّي لمفعولين ، ولا حاجه إلى الاحتراز عنها ، لأنّها لم يشملها قولنا : أفعال القلوب ، فإن قلت قولك : ترد علم بمعنى عرف ، فتعدّى إلى واحد يفهم أنّ بين علم المتقدّمة وهذه فرقا ، فما الفرق بينهما؟
قلت : فرّق بينهما ابن الحاجب بأنّ قولك : علمت الشيء بمعنى عرفته ، لا يقتضي إلا متعلّقا واحدا ، لأنّ معناه : عرفت الشيء في نفسه ، ومعنى علمت زيدا قائما ، عرفته باعتبار كونه على صفة ، وخالفه الرضيّ ، فقال : لا يتوهّم أنّ بين علمت وعرفت فرقا معنويّا كما قال بعضهم ، فإنّ معنى علمت أنّ زيدا قائم ، وعرفت أن زيدا قائم واحد ، إلا أنّ عرفت لا تنصب جزئي الاسمية ، كما تنصبها علم لا لفرق معنويّ بينهما ، بل هو
__________________
(١) هو لزفر بن حارث الكلابي. اللغة : كلّ بيضاء شحمة : مثل للعرب يقول : ما كلّ بيضاء شحمة ولا كلّ سوداء تمرة.
(٢) هو للبيد بن ربيعة. اللغة : ثاقلا : ميتا.
(٣) سقطت هذه الفقرة في «س».