موكول إلى الاختيار العرب ، فإنّهم قد يخصّون إحدى المتساويين بحكم لفظيّ دون الآخر ، انتهى.
قال بعضهم : وهذا بناء على أنّ العلم والمعرفة مترادفان ، وهو قول بعض أهل الأصول والميزان ، ولبعضهم قول آخر : وهو أنّ العلم يتعلّق بالكليّات والمركّبات ، والمعرفة تتعلّق بالجزئيّات والبسائط. قال في شرح المطالع (١) : ومن هنا تسمع النّحويّين يقولون : علم يتعدّى إلى مفعولين ، وعرف يتعدّى إلى واحد ، فتأمّله ، انتهى.
الثاني : ألحقوا رأي الحلمية برأي العلمية في التعدّي لاثنين بجامع إدراك الحس الباطنيّ كقوله [من الوافر] :
٧٩١ ـ أراهم رفقتي حتّى إذا ما |
|
تجافى الليل وانخزل انخزالا (٢) |
فهم مفعول أوّل ، ورفقني بضمّ الرّاء المهملة وكسرها مفعول ثان.
ومصدرها الرويا ، نحو : (هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ) [يوسف / ١٠٠] ، قال ابن هشام في التوضيح (٣) : ولا يختصّ الرويا بمصدر الحلميّة ، بل قد يقع مصدرا للبصريّة خلافا للحريريّ وابن مالك بدليل : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) [الإسراء / ٦٠] ، قال ابن عباس : هي رؤيا عين ، انتهى.
ثمّ القول بأنّ رأي الحلميّة ملحقة برأي العلميّة هو المشهور في كلامهم ، وقال بعض المتأخرين : الأحسن أن يقال : رأى الحلميّة ملحقة برأى الظنّيّة ، لأنّ ما يرى في النوم أشبه بالظّنّ منه بالعلم ، انتهى ، فتدّبر.
الإلغاء : «وإذا توسّطت» أفعال القلوب سوي هب وتعلّم لعدم تصرّفها «بين المبتدإ والخبر ، أو تأخّرت» عنها «جاز» أي لا يمتنع ، ولا يجب إبطال عملها لفظا ومحلّا لاستقلال الجزئين كلاما ، فيمتنعان عن التأثّر عند ضعف العامل بالتأخّر عن كليهما أو أحدهما ، ويمكن أن يؤثّر فيهما العامل لقوّته ذاتا ، فيجوز «الوجهان ويسمّى» هذا الحكم ، وهو إبطال عملها لفظا ومحلّا «إلإلغاء». ووجه التسمية ظاهر ، «نحو : زيد علمت قائم» ، مثال لتوسّط الفعل بين المبتدإ والخبر ، «وزيد قائم علمت» مثال لتأخّره عنهما. وإلغاء التأخّر أقوي من إعماله بلا خلاف لضعفه بالتأخّر عن الجزئين ، والمتوسّط
__________________
(١) ما وجدت عنوان هذا الكتاب في المراجع.
(٢) هو لابن أحمر الباهلي. اللغة : الرفقة : الصحبة ، الجماعة ترافقهم في السفر ، تجافى : تباعد وأزال عن مكانه ، انخزل : انقطع.
(٣) أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك لابن هشام اشتهر بالتوضيح. كشف الظنون ١ / ١٥٤.