بأنّ رأى في الأوّل علميّة ، وأيّكم في الأخير إنشائيّة موصولة ، حذف صدر صلتها ، فبنيت ، وهي بدل ، وضمير المخاطب بدل بعض. وأجاز يونس تعليق كلّ فعل غير ما ذكر ، وخرّج عليه : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ) [مريم / ٦٩] ، والجمهور لم يوافقوه على ذلك.
الثالث : إذا تقدّم على الاستفهام أحد المفعولين نحو : علمت زيدا من هو ، جاز نصبه بالاتّفاق ، لأنّ العامل مسلّط عليه ، ولا مانع من العمل ، واختلفوا في رفعه ، فأجازه سيبويه ، وإن كان المختار عنده النصب ، ووجّه بأنّه لما كان زيد مستفهما عنه من حيث المعنى ، لأنّ المعنى علمت من زيد ، عومل معاملة مباشرة الاستفهام لفظا ، أو يقال : زيد في الواقع هو المعبّر عنه بمن ، ومن لها الصدر لدلالتها على الاستفهام ، فعومل معاملتها ، وهذه صورة يجوز فيها التعليق ، ولا يجب ، فينبغي أن يستثنى من قولهم : التعليق واجب لا جائز.
القول بمعنى الظنّ : تتمة : تجيز بنو سليم إجراء القول مجرى الظّنّ ، فتنصب به المبتدأ والخبر مفعولين مطلقا من غير اعتبار شرط من الشروط الآتية ، فيقولون : قلت زيدا قائما (١) ، وعليه روي قول امرئ القيس [من الطويل] :
٧٩٩ ـ إذا ما جرى شأوين وابتلّ عطفه |
|
تقول هزير الريح مرّت بأثأب (٢) |
واختلف هل يعملونه باقيا على معناه ، أو لا يعلمونه ، حتّى يضمنوه معنى الظّنّ ، على قولين : الأوّل للأعلم وابن خروف وصاحب البسيط ، واستدلّوا بقوله [من الرجز] :
٨٠٠ ـ قالت وكنت رجلا فطينا |
|
هذا لعمر الله إسرائينا (٣) |
إذ ليس المعنى على ظننت. والثاني للجمهور ، قال المراديّ : وهو الظاهر. وقال الرضيّ : إعلم أنّه قد يجيء القول بمعنى الاعتقاد ولا لفظ هناك ، سواء كان ذلك الاعتقاد علما أو ظنّا ، نحو : كيف تقول في هذه المسالة ، أي كيف تعتقد ، فيلحق بالظّنّ في نصب المفعولين ، وليس بمعنى الظنّ خلافا لظاهر كلام سيبويه وبعض المتأخرين. قال المصنّف
__________________
(١) إنّ «القول» متعدّد المعاني ، وإنّ الّذي يتّصل منها بموضوعنا معنيان ، أحدهما : التلفّظ المحض ، ومجرّد النطق ، والآخر : الظّنّ ، فإن كان معناه «التلفظ المحض ، ومجرّد النطق» فإنّه ينصب مفعولا به واحدا ، سواءأ كان الّذي جري به التلفّظ ووقع عليه القول كلمة مفردة أم جملة. وإن كان معنى «القول» ومشتقّاته هو «الظنّ» فإنّه ينصب المفعولين مثله. عباس حسن ، النحو الوافي ، الطبعة السابعة ، ناصر خسرو ، طهران ، ١٣٨٣ ه ش ، ٢ / ٤٥.
(٢) اللغة : الشأوان : مثني شأو ، وهو الطلق السريع ، ابتلّ عطفه : سال عرقه على جانبيه ، هزيز الريح : صوتها ، الأثاب : الشجر.
(٣) هو لإعرابي. اللغة : الفطين : الذكي المتوقّد ، اسرائين : لغة في اسرائيل قلبت لامه بالنون.