لا تنازع بين العاملين أكّد أحدهما بالآخر : قال ابن هشام في الأوضح : ولا تنازع بين فعلين أو اسمين أكّد أحدهما بالاخر ، لأنّ الطالب للمعمول إنّما هو الأوّل ، وأمّا الثاني فلم يؤت به للإسناد ، بل لمجرّد التقوية للأوّل ولهذا قال الشاعر [من الطويل] :
٨٠٨ ـ فأين إلى أين النّجاة ببغلتي |
|
أتاك أتاك اللّاحقون احبس احبس (١) |
فاللاحقون فاعل أتاك الأوّل ، والثاني لمجرّد التقوية ، ولا فاعل له ، ولو كان من التنازع لقال : أتاك أتوك ، على إعمال الأوّل ، وأتوك أتاك على إعمال الثاني ، انتهى.
وفيه بحث ، وما ذكره هو مختار ابن مالك ، ووافقه إليها ابن النحاس وابن أبي الربيع. قال أبو حيّان : ولم يصرّح بالمنع في ذلك أحد سواهم ، بل صرّح الفارسيّ في قول الشاعر [من الطويل] :
٨٠٩ ـ فهيهات هيهات العقيق وأهله |
|
وهيهات خلّ بالعقيق تواصله (٢) |
بأنّه من باب التنازع ، وإلاضمار في أحدهما ، انتهى.
وقيل : المرفوع في البيتين فاعل بالعاملين ، لأنّهما بلفظ واحد ومعنى واحد ، فكأنّهما عامل واحد ، ففي المسالة أقول ثلاثة :
هل يوجد التنازع بين الحرفين : الثاني : ظاهر كلامه أنّه لا يشترط في العاملين المتنازعين أن يكون من غير نوع الحروف ، والجمهور على اشتراطه ، لأنّ الحروف لا دلالة لها على الحدث ، حتّى تطلب المعمولات ، وأجاز ابن العلج التنازع بين الحرفين مستدلّا بقوله : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) [البقرة / ٢٤] ، فقال : تنازع إن ولم في تفعلوا ، وردّ بأنّ إن تطلب مثبتا ، ولم تطلب منفيّا ، وشرط التنازع الاتّحاد في المعنى ، ونقل ابن عصفور عن بعضهم أنّه جوّز تنازع لعلّ وعسى ، نحو : لعلّ وعسى زيد أن يخرج ، على إعمال الثاني ، ولعلّ وعسى زيدا خارج ، على إعمال الأوّل ، وردّ بأنّ منصوب عسى لا يحذف (٣).
شرط العاملين في التنازع : الثالث : ظاهر كلامه أيضا أنّه لا يشترط فيهما أن يكونا متصرّفين والجمهور على اشتراطه ، لأنّ التنازع يقع فيه الفصل بين العامل ومعموله ، و
__________________
(١) لم يعيّن قائل البيت. اللغة : البغلة : دابة معروفة ، ويروى النجاء وهو بمعنى الإسراع.
(٢) هو لجرير بن عطية. اللغة : العقيق : اسم مكان ، الخل : الصديق.
(٣) جاء في حاشية الصبّان : (ولا تنازع بين حرفين) لضعف الحرف ولفقد شرط صحّة الإضمار في المتنازعين ، إذ الحروف لا يضمر فيها ، وعندي فيه نظر ، لأنّ المراد بالإضمار في هذا الباب ما يشمل اعتبار الضمير ولو مع حذفه كما في ضربت وضربني زيد. حاشية الصبّان ، ص ١٠٠.