للمصنّف فساد دعوى التنازع ، ولو نظر إليه من جهة كونه مفعولا ثانيا مع قطع النظر عمّا يقتضيه كلّ من العاملين المذكورين لما نازع في صحّة التنازع ، ألا ترى أنّ العاملين إذا كان الأوّل منهما يطلب مرفوعا ، والثاني يطلب منصوبا تنازعهما فيه صحيح ، لكن مع قطع النظر من الإعراب ، فإنّك إن أعربته بالرفع بطل كون الثاني يطلبه ، لأنّه لا يطلب إلا منصوبا ، وإن أعربته بالنصب بطل كون الأوّل (١) يطلبه ، لأنّه لا يطلب إلا مرفوعا وذلك نحو : أكرمني وأكرمت زيدا وزيدا ، وهذا ممّا لا خلاف في أنّه من التنازع ، هكذا قرّره المالكيّ في الأوضح وهو جدير بالقبول ، ويرشدك إليه قول الفاضل الهنديّ : إنّ التنازع في القلب ، وأمّا بعد التركيب فلا تنازع.
تنبيهات : الأوّل : قضية كلام المصنّف (ره) عدم اشتراط كون المعمول غير سييّ مرفوع ، واشترطه بعضهم ليخرج نحو قول كثير [من الطويل] :
٨١٥ ـ قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه |
|
وعزّة ممطول معنى غريمها (٢) |
لأنّه لو قصد فيه إلى التنازع لأسند أحد اسمي المفعول إلى السييّ الّذي هو غريمها ، والآخر إلى ضميره ، فيلزم عدم ارتباط المهمل بالمبتدإ ، لأنّه لم يرفع ضميره ، ولا ما التبس بضمير ، فيحمل مثل ذلك على أنّ المتأخّر مبتدأ مخبر عنه بالعاملين المتقدّمين ، وفي كلّ منهما ضمير ، وهما وما بعدهما خبر عن الأوّل بخلاف السييّ غير المرفوع ، نحو : زيد أكرم وعظّم أباه.
واعترض الأوّل بأنّ عود الضمير من المهمل على الاسم المشتمل على ضمير المبتدإ يحقّق الالتباس والارتباط ، والثاني بأنّ ما علّل به امتناع التنازع في الأوّل يأتي أيضا في الثاني ، نحو : زيد ضربت وأكرمت أباه ، لأنّ أحد العاملين يعمل في السبب ، والمهمل يعمل في ضميره ، فيلزم عدم ارتباط ناصب الضمير بالمبتدإ ، فلا معنى لتقييد السييّ بالمرفوع ، ولم يشترط أكثرهم هذا الشرط كالمصنّف ، ونصّ عليه ابن خروف والشلوبين وابن السّيّد وابن مالك.
التنازع بين أكثر من عاملين ومعمولين : الثاني : قد يكون التنازع بين أكثر من عاملين كقوله [من البسيط] :
٨١٦ ـ أرجو وأخشى وأدعو الله مبتغيا |
|
عفوا وعافية في الروح والجسد (٣) |
_________________
(١) الثاني «ح».
(٢) اللغة : الغريم : الدائن ، صاحب الحق. ممطول : غير مؤدّي له حقه ، معنى : اسم مفعول من عني بمعنى عذب.
(٣) لم ينسب إلى قائل معيّن. اللغة : مبتغيا : طالبا.