لا تضجرن ، بنون التأكيد الخفية ، فحذفت للضرورة ، ولا ناهية ، والعطف مثله في : (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) [النساء / ٣٦] ، انتهى.
قال الدمامينيّ في المنهل : يجوز أن يريد هذا القائل أنّ جملة النهي خبر مبتدإ محذوف ، والاسمية حالية. ووقوع الطلبيّة خبرا للمبتدإ بالتاويل غير مستنكر ، فالمعنى اطلب وأنت منهيّ عن الضجر ، ولا خطأ إذن في كون الواو للحال ، ولا ناهية ، على أنّي أقول إذا كانت الجملة الحالية في المعنى كخبر المبتدإ فلم لا يجوز وقوعها إنشائيّة مؤوّلة بالخبر ، كما يكون ذلك في خبر المبتدإ ، وكونها قيدا للعامل لا ينافي ذلك.
وقد صرّح التفتازانيّ في شرح التلخيص في قول أبي النجم (١) [من الرجز] :
٨٣٢ ـ ميّز عنه قترعا عن قترع |
|
جذب الليالى أبطئي أو أسرعي (٢) |
بأنّ قوله أبطئي أو أسرعي حال من الليإلى على تقدير القول ، أو كون الأمر بمعنى الخبر. وهذا الأخير عين ما كان قلناه ، انتهى.
وقد صرّح بذلك في شرح المفتاح أيضا ، وتبعه الشريف الجرجانيّ في شرحه على الكتاب المذكور ، ثمّ دعوى الإجماع على أنّ الحالية لا تكون إلا خبرا مقدّر حينئذ فيها بما نقله صاحب البسيط وغيره عن الفرّاء من جواز وقوع الأمر ونحوه حالا نحو : وجدت الناس أخبر ، نقله ، وأجيب بأنّه على تقدير مقولا فيهم.
الشرط الثاني : أن يكون غير مصدّرة بحرف الاستقبال كالسين وسوف ولن ، فلا يقال : مررت بزيد سيقوم ، أو سوف يقوم ، أو لن يقوم ، وذلك لمنافاة الحال والاستقبال في الظاهر ، وإن لم يكن حقيقة ، إذ الحال الّذي نحن فيه ليس هو الحال الّذي يدلّ عليه المضارع ، حتّى ينافي الاستقبال ، أشار إليه الرضيّ ، واعترضه الشريف الجرجانيّ بأنّ الحال الّذي نحن بصدده يجامع كلّا من الأزمنة الثلاثة على السواء ، ولا يناسب الحال بمعنى الزمان الحاضر المقابل للاستقبال إلا في إطلاق لفظ الحال على كلّ منهما اشتراكا لفظيّا ، وذلك لا يقتضي امتناع تصدير الجملة الحالية بعلم الاستقبال كما لا يخفى ، انتهى ، وقرّره بوجه آخر ، سيأتي إن شاء الله تعالى مع ما فيه.
تنبيهان : الأوّل : خرج بهذا الشرط الجملة الخبريّة الشرطيّة فلا تكون حالية ، قال المطرزيّ : لا تقع جملة الشرط حالا ، لأنّها مستقبلة ، فلا تقول : جاء زيد إن يسأل يعط ، فإن أردت صحّة ذلك جعلت الجملة خبرا لمن الحال له ، فقلت : وهو إن يسأل يعط ، و
__________________
(١) الفضل بن قدامة العجلي أبو النجم ، من أكابر الرجّاز ومن أحسن الناس إنشادا للشعر نبغ في العصر الأموي ، مات سنة ١٣٠ ه. المصدر السابق ، ٥ / ٣٧٥.
(٢) اللغة : القترع : هي الشعر حوإلى الراس والخصلة من الشعر تترك على رأس الصبي ، أو هي ما ارتفع من الشعر وطال.