فى هذا الباب رابطة بأنّها تدلّ على الجمع ، والغرض احتمال جملة الحال مع عامل صاحبها ، قاله في التصريح.
وزعم ابن جنيّ أنّه لا بدّ من تقدير الضمير ، فإذا قلت : جاء زيد والشمس طالعة ، فالتقدير وقت مجيئه ، ثمّ حذف الضمير ، ودلّت الواو عليه ، أو الضمير فقط نحو : (تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) [الزمر / ٦٠] ، وزعم الزمخشريّ أنّه نادر ، وصرّح ابن الحاجب في الكافية بضعفه.
قال ابن مالك رادّا على الزمخشريّ : وهي من المسائل الّتي حرّفته عن الصواب ، وأعجزت ناصريه عن الجواب ، وقد ثبته في الكشاف فجعل قوله تعالى : (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) [البقرة / ٣٦] ، في موضع نصب على الحال وكذا في (لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) [الرعد / ٤١]. قال ابن مالك : وانفراد الضمير عندي أقيس ، لأنّ الحال شبيه بالخبر والنعت ، وليس شئ منهما يربط بالواو ، انتهى.
وقد حكي عن الفرّاء مثل ما ذهب إليه الزمخشريّ ، وحكي أبو حيّان أنّ الزمخشريّ رجع عن قوله : ولا شكّ في أنّ الربط بالواو فقط أكثر من الربط بالضمير فقط ، صرّح به ابن مالك في شرح الكافية.
نكتة : قال ابن هشام في المغني قلت يوما : ترد الجملة الاسميّة الحالية بغير واو في فصيح الكلام خلافا للزمخشريّ كقوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) [الزمر / ٦٠] ، فقال بعض من حضر : هذه الواو في أوّلها ، انتهى.
وقد تخلو الجملة من الواو والضمير معا ، فيقدّر الضمير ، نحو : مررت بالبرّ قفيز بدرهم ، أو الواو كقوله : يصف غائصا لطلب اللؤلؤ : انتصف النهار ، وهو غائص وصاحبه لا يدري ما حاله [من الكامل] :
٨٣٣ ـ نصف النّهار والماء غامره |
|
ورفيقه بالغيب لا يدري (١) |
وإنّما قدّرت الواو مع إمكان تقدير الضمير حملا على الكثير في هذا الباب ، كما مرّ.
تنبيه : تمتنع الواو في الجملة الاسميّة الواقعة بعد عاطف نحو قوله تعالى : (فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) [الأعراف / ٤] ، فلا يقال : أو وهم قائلون كراهة اجتماع حرفي عطف صورة ، وفي الجملة الاسميّة المؤكّدة بمضمون جملة ، نحو : (الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة ٢ و ١] ، فكما لا تدخل الواو في التوكيد في نحو : جاء زيد نفسه ،
__________________
(١) هو للمسيب بن علس ، اللغة : نصف : ماض بمعنى انتصف ، والنهار فاعله ، غامره : اسم فاعل من غمره الماء أي غطّاه.