يروى بنصب الموجبات بالكسرة عطفا على محلّ قوله ما البكى ، قال ابن هشام : رأيت بخطّ الإمام بهاء الدين بن النحاس ، أقمت مدّة ، أقول : القياس جواز العطف على محلّ الجملة المعلقّة عنها بالنصب ، ثمّ رأيته منصوصا ، انتهى.
ومّمن نصّ عليه ابن مالك ، ولا وجه للتوقّف فيه مع قولهم : إنّ المعلّق عامل في المحلّ ، وابن النحاس المذكور هو أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن النحاس الحلبيّ النحويّ المشهور صاحب ابن مالك ، وأخذ منه جماعة من المشاهير ، منهم أبو حيّان وابن نباتة وغيرهما.
الرابع : إنّما يعطف على الجملة المعلّق عنها العامل مفرد فيه معنى الجملة ، كما مرّ من نحو : علمت من زيد وغير ذلك من أموره ، ولا تقول : علمت أزيد قائم وعمرو ، لأنّ مطلوب هذه الأفعال أنّما هو مضمون الجملة ، فإذا كان في الكلام مفرد يؤدّي معنى الجملة ، صحّ أن يتعلّق به وإلا فلا ، قاله في التصريح.
و «قد تنوب» الجملة الواقعة مفعولا عن الفاعل ، فيكون محلّها من الإعراب الرفع ، ويختصّ ذلك بباب القول ، لأنّ الجملة إنّما تقع نائبة إذا أريد بها لفظها ، كما سيأتي ، وهو غير متصوّر إلا في باب القول ، نحو : يقال : زيد عالم ، فجملة زيد عالم في محلّ رفع على أنّها نائبة عن الفاعل.
وفي شرح الجمل لابن بابشاذ إذا قلنا : قد قيل : زيد منطلق ، فموضع الجملة رفع لكونها مفسّرة لقول مقدّر ، كأنّه قال قد قيل قول : هو زيد منطلق ، ومن هاهنا لم يجز زيد منطلق ، قيل : لأنّه مفسّر للفاعل أي نائبة ، وهو لا يتقدّم على فعله ، انتهى. وكذا قال أبو البقاء في قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا) [البقرة / ١١] ، القائم مقام الفاعل مصدر ، وهو القول ، وأضمر لأنّ الجملة بعده تفسّره ، والتقدير وإذا قيل لهم قول هو لا تفسدوا ، انتهى.
وزعم ابن عصفور أنّ ذلك قول البصريّين ، والصواب ما ذكره المصنّف من أنّ النائب هي الجملة بعينهما ، لأنّها كانت قبل حذف الفاعل منصوبة ، فكيف انقلبت مفسّرة ، والمفعول به متعيّن للنيابة ، فإن قلت : أليس الصحيح أنّ الفاعل ونائبه لا يقعان جملة ، فكيف صحّ وقوع نائب الفاعل هنا جملة؟ قلت : الجملة هنا في حكم المفرد ، لأنّ المراد بها لفظها دون معناها ، ولهذا يقع مبتدأ ، نحو : لا حول ولا قوّة إلا بالله كتر من كنور الجنة ، وفي المثل زعموا مطيّة الكذب ، والجملة بل المركّب يصير بإرادة اللفظ اسما ، وكلّ اسم مفرد ، فنائب الفاعل هنا في الحقيقة مفرد لا جملة ، وكذا المبتدأ في المثالين المذكورين.