تنبيهات : الأوّل : قال الدمامينيّ في شرح المغني : الّذي يظهر لي أنّ جملة الجزاء لا محلّ لها من الإعراب مطلقا ، سواء اقترنت بالفاء أم لا تقترن ، وسواء كانت جوابا لشرط جازم أو جوابا لشرط غير جازم ، لأنّ الجملة إنّما تكون ذات محلّ من الإعراب ، إذا صحّ وقوع المفرد في محلّها ، والجزاء لا يكون إلا جملة ، ولا يصحّ وقوعه مفردا أصلا ضرورة أنّ حرف الشرط لا يدخل إلا على جملتين دالّا على انعقاد السببيّة أو اللزوم بينهما ، فيكون مضمون أولاهما سببا في وقوع مضمون الثانية ، أو في الإخبار بها أو يكون مضمون الثانية لازما لمضمون الأولى على ما اختاره بعضهم ، وكان الداعي لهم إلى جعل جملة الجواب فيما ذكر ذات محلّ هو المحافظة على توفير ما يقتصيه أداة الشرط إمّا لفظا أو محلّا ، وجوابه أنّ توفير ذلك إنّما يصحّ فيما يقبله ، والجملة ليست قابلة هنا لذلك لا بحسب اللفظ ، وهو ظاهر ولا بحسب المحلّ ، إذ ليست واقعة في موضع المفرد كما قدّمناه ، انتهى.
وتأوّل الجزم في (يَذَرُهُمْ) ونحوه بتقدير شرط محذوف دلّ عليه ما قبله ، أي وإن لم يفعلوا يذرهم. قال بعضهم : ولا حاجة إلى ذلك مع إمكان تخصيص الإعراب بغير الجزم في قولهم : إنّما تكون الجملة ذات محلّ من الإعراب إذا وقعت موقع المفرد ، وهذا أسهل من مخالفة كلامهم ، وتأوّل بما ورد من ذلك بما لا حاجة إليه.
الثاني : صريح كلام المصنّف أنّ المحلّ في جواب الشرط الجازم محكوم به لمجموع الفاء وما بعدها ، وصرّح ابن هشام في المغني أنّه قول الجميع ، لكن وقع له عند الكلام على هذه الجملة أنّ الجزم محكوم به لما بعد الفاء ، وتعقّبه الشارح بأنّه لا وجه له ، فإنّ المجزوم لا يحلّ في هذا الموضع ، وكيف وهذه الفاء مانعة من جزم ما بعدها ، قال : وأمّا الّذي ذكره الجميع فربّما يتخيّل على ما فيه ، وذلك لأنّ الفاء وما بعدها لو وقع موقعهما ما هو مصدّر بمضارع لجزم ، فيحكم على المجموع بأنّه في محلّ جزم بهذا الاعتبار وهو معترض.
فإنّ المضارع المجزوم لم يقع وحده موقع الفاء وما بعدها ، وإنّما الواقع مجموع الجملة الّتي هو صدرها ، ولو كان المراد بالمفرد ما يظهر فيه الإعراب غير ملاحظ فيه ما يصحبه للزم الحكم على كثير من الجمل الّتي لا محلّ لها من الإعراب بأنّها ذات محلّ نظرا إلى هذا المعنى ، ألا ترى أنّ الواقعة جوابا لشرط غير جازم لا محلّ لها بالإجماع ، مثل إذا قام زيد فهو مكرم ، في أنّها يمكن أن تصدّر بمضارع مرفوع ، فتقول : إذا قام زيد أكرمه ، فلو اعتبر ما تقدّم للزم كون هذه الجملة ذات محلّ ، وهو باطل ، وعلى ذلك فقس ، انتهى.