ولهذا صرّح العلامة التفتازانيّ أنّ ما سوي العلم إنّما وضع لمعان كليّة ، لتستعمل في أفرادها المعيّنة ، هذا هو المشهور عن أهل العربيّة ، ونسب إلى الجمهور ، ولكن انتقده بعض المتأخّرين باستلزامه كون هذه الألفاظ الشائعة الاستعمال مجازات لا حقائق لها ، إذ لم تستعمل فيما وضعت هي لها من المفهومات الكليّة ، بل لا يصحّ استعمالها فيها أصلا ، وهذا مستعبد جدّا ، كيف لا؟ ولو كانت كذلك لما اختلف أئمة اللغة في عدم استلزام المجاز الحقيقة ، ولما احتاج من نفي الاستلزام إلى أن يتمسّك في ذلك بأمثلة نادرة.
قال : والحقّ ما أفاده بعض المحقّقين من أنّها موضوعة لكلّ واحد من جزئيات تلك المفهومات الكليّة وضعا واحدا عامّا ، وتلك المفهومات جعلها الواضع آلة لملاحظتها عند الوضع ، فلا تستلزم الاشتراك ، ولا كونها مجازا في شيء منها ، ولا وجود المجاز بدون الحقيقة ، وتعريف المعرفة محمول على ظاهره. فتفهّم.
والمعارف على المشهور كلّها سبعة ، بإدخال المعرّف بالنداء ، كما ذهب إليه ابن مالك ، واختاره المصنّف ، ووجه الانحصار فيها أنّ تعيين المشار إليه في لفظ المعرفة إمّا أن يفيده جوهر اللفظ ، وهو العلم ، وهو إمّا جنسيّ ، إن كان الحاضر المعهود جنسا وماهيّة ، كأسامة ، أو شخصيّ ، إن كان فردا منها كزيد ، أو يفيده حرف وهو قسمان :
ما لا يحتاج إلى القصد ، وهو المعرّف باللام ، وما يحتاج إليه ، وهو المعرّف بالنداء. أو تفيده القرينة في الكلام ، وهو المضمر ، أو تفيده الإشارة الحسيّة إلى نفسه ، وهو اسم الإشارة ، أو تفيده الإشاره العقلية إلى نسبة معلومة للسامع ، إمّا خبريّة وهو الموصول ، أو لا ، فهو الاضافة ، لكنّ الإضافة إلى غير معيّن لا تفيده تعيينا ، فهو المضاف إلى أحد الخمسة.
العلم وانقسامه إلى مرتجل ومنقول : الأوّل من المعارف العلم ، وهو ما وضع لمعيّن ، لا يتناول غيره ، فخرج بالمعيّن النكرة ، وبما بعده بقية المعارف ، وهو نوعان : ـ كما علمت ـ شخصيّ وجنسيّ ، فالشخصيّ مسمّاه نوعان : أولو العلم كزيد وخرنق (١) ، وما يولّف كالقبائل كقرن ، والبلاد كعدن ، والخيل كلاحق ، والإبل كشذقم ، والبقر كعرار ، والغنم كهيلة ، والكلاب كواشق.
وينقسم إلى مرتجل ، وهو ما استعمل من أوّل الأمر علما كسعاد ، وفقعس وموهب ، ومنقول ، وهو الغالب ، وهو ما استمعل قبل العمليّة لغيرها ، ونقله إمّا من
__________________
(١) اسم امرأة من شواعر العرب.