يمكن أن يكون لهما محلّ كقولك قال زيد : أقسم لأفعلنّ ، وإنّما المانع عنده إمّا كون جملة القسم لا ضمير فيها ، فلا تكون خبرا ، لأنّ الجملتين هنا ليستا كجملتي الشرط والجزاء ، لأنّ الجملة الثانية ليست معمولة لشئ من الجملة الأولى ، ولهذا منع بعضهم وقوعها صلة ، وإمّا كون جملة القسم إنشائيّة والجملة الواقعة خبرا فلا بدّ من احتمالها للصدق والكذب ، وعندي أنّ كلّا من التعليلين ملغية ، أمّا الأوّل فلأنّ الجملتين مرتبطتان ارتباطا صارتا به كالجملة ، وإن لم يكن بينهما عمل ، وأمّا الثاني فلأنّ الخبر الّذي شرطه احتمال الصدق والكذب هو الخبر قسيم الانشاء لا خبر المبتدأ.
قال : وزعم ابن مالك أنّ السماع ورد بما منعه ثعلب ، وهو قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) [العنكبوت / ٩] ، (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) [العنكبوت / ٥٨] ، (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ) [العنكبوت / ٦٩].
وعندي لما استدلّ به تأويل لطيف ، وهو أنّ المبتدأ في ذلك كلّه ضمّن معنى الشرط ، وخبره مترّل مترلة الجواب ، فإذا قدّر قبله قسم ، كان الجواب له ، وكان خبر المبتدإ المشبهة بجواب الشرط محذوفا للاستغناء عنه بجواب القسم المقدّر قبله ، ونظيره في الاستغناء بجواب القسم المقدّر قبل الشرط المجرّد من لام التوطئة قوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَ) [المائدة / ٧٣] التقدير والله ليمسنّ ، وإن لم ينتهوا ليمسنّ ، انتهى.
اجتماع الشرط والقسم : «ومتى اجتمع» في الكلام «شرط وقسم» ملفوظ أو مقدّر «اكتفى بجواب المتقدّم منها» عن جواب المتأخّر لشدّة الاعتناء بالمتقدّم ، فالشرط المتقدّم نحو : إن جاء زيد والله أكرمه ، فالجواب المذكور للشرط ، وجواب القسم محذوف لدلالة جواب الشرط عليه ، والقسم المتقدّم الملفوظ به ، نحو : والله إن جاء زيد لأكرمته ، والمقدّر نحو قوله تعالى : (لَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَ) [يوسف / ٣٢] ، فالجواب المذكور للقسم الملفوظ به في المثال والمقدّر في الآية ، وجواب الشرط فيهما محذوف وجوبا لدلالة القسم وجوابه عليه.
وجوّز الفرّاء ، وقيل : الكوفيّون ، وتبعهم ابن مالك جعل الجواب للشرط ، وإن تأخّر محتجّين بقوله [من الطويل] :