وذكر ابن هشام في شرح التسهيل أنّ النداء بالهمزة قليل في كلام العرب ، وتبعه ابن الصائغ في حواشي المغني ، قال في الهمع : وما ذكراه مردود ، فقد وقفت لذلك على أكثر من ثلاثمائه شاهد ، وأفردتها بالتإلى ف.
الثاني : أن تكون للمضارعة بفتح الراء المهملة ، مصدر ضارعه ، أي شابهه ، نحو :
أقوم وأقعد ، قيل : وهمزة المضارعة في الأصل ألف قلبت همزة لتعذّر الابتداء بالساكن ، وحروف المضارعة أربعة ، يجمعها قولك : أنيت ، وقد مرّ ذكرها في صدر هذا الشرح.
الثالث : أن تكون «للتسوية ، وهي الداخلة على جملة» واقعة «في محلّ المصدر» وهذا أحسن من قولهم : الداخلة على جملة يصحّ حلول المصدر محلّها ، لأنّ الجملة هنا مؤوّلة بالمفرد تأويلا مطّردا ، فهي واقعة في محلّ المفرد «نحو» قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة / ٦] ، أي سواء عليهم الإنذار وعدمه.
فان قلت : تأويل الجملة بالمفرد هنا مشكل ، لأنّه لا سابك في اللفظ ، فيلزم الشذوذ على ما صرّح به بعضهم مثل : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه (١) ، برفع تسمع ، وعدم تقدير السابك ، وهو الحرف المصدريّ ، وادعاء الشذوذ هنا باطل ، لأنّ هذا تركيب فصيح كثير الاستعمال. قلت : سبك الجملة بالمفرد من غير حرف مصدريّ إنّما يكون شاذّا إذا لم يطّرد في باب ، أمّا إذا اطّرد في باب واستمرّ فيه ، فإنّه لا يكون شاذّا مثل : لا تأكل السمك ، وتشرب اللبن ، فإنّك إذا نصبت تشرب ، نصبته بأن مقدّرة ، فيصير اسما معطوفا في الظاهر على فعل ، وهو ممتنع إلا عند التأويل ، فاحتجنا إلى أن نتصيّد من الفعل الأوّل مصدرا من غير سابك ، ولا يعدّ مثل هذا شاذّا لاطّراده في بابه. وكذا إضافة اسم الزمان مثلا إلى الجملة نحو : جئت حين جاء زيد ، أي حين مجيء زيد ، فأوّلت الجملة بالمفرد من غير أن يكون هناك حرف مصدريّ ، وليس بشاذّ لاطّراده في بابه ، وهنا في باب التسوية أوّلت الجملة بالمفرد تأويلا مطّردا بدون أداة ، فلم يعد شاذّا ، قاله الدمامينيّ في التحفة ، وأفهم كلامه أنّ الشذوذ ينافي الفصاحة وكثرة الاستعمال ، وهو ممنوع.
تنبيهات : الأوّل : أجيز في سواء الآية المذكورة كونها خبرا عمّا قبلها ، أو عمّا بعدها ، أو مبتدأ ، وما بعدها فاعل على الأوّل ، ومبتدأ على الثاني ، وخبر على الثالث. قال في المغني : وأبطل ابن عمرون الأوّل بأنّ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، والثاني بأنّ المبتدأ المشتمل على الاستفهام واجب التقديم ، فيقال له : وكذا الخبر ، فإن أجاب بأنّه مثل زيد أين هو ، منعناه ، وقلنا : بل مثل كيف زيد ، لأنّ (أَأَنْذَرْتَهُمْ) إن لم يقدّر
__________________
(١) تقدّم في ص ٧٧٥.