مغني بالقلب بطريق الفيض ، نعم قال القشيريّ (١) : إنّه الخاطر الوارد على الضمير لألقاء الملك ، وإنّه من قبيل الملك ، وأمّا ثانيا فلأنّ الإلهام هنا لمن لا يفهم القول ولا الأمر ، وهو النحل ، انتهى.
وإذا قلت : كتبت إليه بأن افعل ، بادخال حرف الجرّ ، كانت أن مصدريّة ، لأنّها معمولة بحرف الجرّ ، وجعلها أبو حيّان زائدة ، وهو وهم منه ، فإنّ حروف الجرّ وإن كانت زائدة لا تدخل إلا على الاسم.
تنبيهات : الأوّل : زاد بعضهم اشتراط أن لا يكون في الجملة السابقة أحرف القول ، فلا يقال قلت له : أن افعل ، وفي شرح الجمل الصغير (٢) لابن عصفور أنّها قد تكون مفسّرة بعد صريح القول ، وفي البسيط اختلف في تفسير صريح القول ، فأجازه بعضهم ، وحمل عليه قوله تعالى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) [المائدة / ١١٧] ، ومنهم من يمنع من الصريح ، ويجيز في المضمر كقولك : كتبت إليه أن قم ، وذكر الزمخشريّ في قوله تعالى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ)(٣). أنّه يجوز أن يكون مفسّرة لقول على تأويله بالأمر ، أي ما أمرتهم إلا بما أمرتني أن اعبدوا الله. قال ابن هشام : وهو حسن ، وعلى هذا فيقال في الضابط : أن لا يكون فيها حروف القول إلا والقول مؤوّل بغيره ، انتهى.
وقد انتقد أبو حيّان ، وصوّبه غيره تخريج الآية على التفسيريّة بأنّ ما بعد إلا مستثنى بها ، فلا بدّ أن يكون له موضع من الإعراب ، وأن التفسيريّة لا موضع لها.
الثاني : إذا ولي أن الصالحة للتفسير مضارع مثبت ، نحو : أوحيت إليه أن يفعل ، كان فيه الرفع على أنّها حرف تفسير ، والنصب على أنّها مصدريّة أو معه لا ، نحو : أشرت إليه أن لا يفعل ، كان فيه الوجهان لما ذكر ، والجزم أيضا على النهي ، ويكون أن فيه مفسّرة.
الثالث : أنكر الكوفيّون أن المفسّرة ، وهي عندهم الناصبة للفعل ، قال أبو حيّان : وليس ذلك بصحيح ، لأنّها غير مفتقرة إلى ما قبلها ، ولا يصحّ أن تكون المصدريّة إلا بتأويلات بعيدة ، انتهى.
__________________
(١) عبد الكريم بن هوازن النيسابوريّ القشيريّ ، شيخ خراسان في عصره ، من كتبه «التفسير الكبير» مات سنة ٤٦٥ ه. الأعلام للزركلي ، ٤ / ١٨٠.
(٢) الجمل في النحو للشيخ عبد القاهر الجرجانيّ المتوفي سنة ٤٧٤ ه ، له شروح منها شروح ثلاثة لأبي الحسن على بن مؤمن بن عصفور النحويّ المتوفي سنة ه ٦٦٩. كشف الظنون ٢ / ٦٠٢.
(٣) سقطت الآية الشريفة في «ح».