ومنها أنّ الجواب ورد مقرونا بإذا الفجائيّة ، نحو : (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) [الروم / ٢٥] ، وبالحرف الناسخ ، نحو : إذا جئتني فإنّي أكرمك ، وكلّ منهما لا يعمل ما بعده في ما قبله. وأجيب بأنّهم إنّما يقولون : إنّ العامل فيها جوابها ، إذا كان صالحا ، ولم يكن ثمّ مانع كإذا الفجائيّة وإن ونحوها ، فالعامل فيها حينئذ مقدّر يدلّ عليه الجواب.
وقال الرضيّ : الأولى أن نفصّل في ذلك ونقول : إن تضمّن إذا معنى الشرط فحكمه حكم أخواته من متى ونحوه ، وإن لم يتضمّن نحو : إذا غربت الشمس جئتك ، بمعنى أجيئك وقت غروب الشمس ، فالعامل فيها هو الفعل الّذي في محلّ الجزاء ، إن لم يكن جزاء في الحقيقة دون الأوّل الّذي في محلّ الشرط ، إذ هو مخصّص للظرف.
«وتختصّ» إذا «بالجملة الفعلية» على الأصحّ ، سواء كان صدرها مضارعا ، نحو : (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) [يونس / ١٥] أو ماضيا ، نحو : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ) [المنافقون / ١] ، وزعم الفرّاء أنّ إذا إذا كان فيها معنى الشرط لا يكون بعدها إلا الماضي ، وقال ابن هشام : إيلاؤها الماضي أكثر من المضارع ، وقد اجتمعا في قوله [من الكامل] :
٩٣٨ ـ والنفس راغبة إذا رغّبتها |
|
وإذا تردّ إلى قليل تقنع (١) |
ولا تدخل على الجملة الاسميّة ، «و» أمّا «نحو» قوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) [الانشقاق / ١] ، ممّا استند عليه الأخفش والكوفيّون من جواز دخول إذا على الجملة الاسميّة ، فمؤول (٢) مثل تأويل قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) [التوبة / ٦] ، فالسماء فاعل بفعل محذوف ، يفسّره المذكور ، والأصل إذا انشقّت السماء انشقّت ، كما أنّ أحد فاعل بفعل محذوف ، يفسّره المذكور ، والأصل وإن استجارك أحد ، لا إنّ السماء مبتدأ ، والفعل بعده خبره ، كما زعموا ، وفي هذه القياس نظر ، لأنّ الشرط المقيس عليه أن يكون متّفقا عليه عند الخصمين ، وليس هو هنا كذلك ، لأنّ
__________________
(١) هو لأبي ذويب.
(٢) هل تدخل إذا الظرفيّة على الجملة الاسميّة أو لا؟ خلاف بين النّحويّين ، ويذهب البصريّون إلى أنّه لا يجوز ، والكوفيّون والأخفش يجيزون دخولها على الجملة الاسميّة ، استنادا إلى الآية (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ.) واضطرب قول الدكتور إميل بديع يعقوب في كتابه «موسوعة النحو والصرف والإعراب ، فمرّة يقول : (ص ٣٦) تختصّ إذا بالدخول على الجملة الفعلية ، وإذا دخلت على اسم مرفوع ، أعرب فاعلا لفعل محذوف يفسّره الفعل الّذي يليه ، ومرّة (ص ١٠٤) يقول : أوّل البصريّون هذه الآية وأمثالها بأن جعلوا (السَّماءُ) فاعلا لفعل محذوف يفسّره الفعل المذكور ، ونحن لا نرى داعيا لهذا التمحّل في التقدير ، وعندنا أنّ إذا تضاف إلى الجملة الاسميّة ، كما تضاف إلى الجمل الفعلية.
يبدو أنّه لا يجوز إضافة إذا إلى الجملة الاسميّة الّتي خبرها مفرد ، فلا نقول : آتيك إذا زيد قائم ، لكن يمكن إضافتها إلى الجملة الاسميّة الّتي خبرها جملة فعلية ، لأنّه يمكن القول : إنّ مثل هذه الجمل فعلية في الأصل ، ثمّ للتأكيد يتقدّم الاسم على الفعل ، فالمرفوع بعد إذا مبتدأ ، وخبره جملة فعلية بعده ، ولا نحتاج إلى هذه التأويلات.