الثاني : قد تخرج إذا عن الاستقبال ، وذلك على وجهين : أحدهما : أن تجئ للحال ، وذلك بعد القسم نحو : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) [الليل / ١] ، لأنّ الليل مقارن للغشيان. الثاني : أن تجيء للماضي ، كما جاءت إذ للمستقبل عند بعضهم ، نحو : (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ) [التوبة / ٩٢] ، نزلت بعد الإتيان : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) [الجمعة / ١١] ، نزلت بعد الروية والانفضاض.
وقوله [من الوافر] :
٩٤٠ ـ وندمان يزيد الكأس طيبا |
|
سقيت إذا تغوّرت النجوم (١) |
ويجوز أن يكون سقيت بمعنى أسقي ، وهو دليل جواب إذا ، أي إذا غربت النجوم أسقيه.
الثالث : تختصّ إذا بما تيقّن وجوده نحو : آتيك إذا احمرّ البسر (٢) أو رجّح نحو : آتيك إذا دعوتني ، بخلاف إن ، فإنّها تكون للمحتمل والمشكوك فيه والمستحيل كقوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) [الزخرف / ٨١] ، لا تدخل على متيقّن ولا راحج ، وقد تدخل على متيقّن لكونه مبهم الزمان نحو : (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) [الأنبياء / ٣٤] ، ولكون إذا خاصّا بالمتيقّن والمظنون خالفت أدوات الشرط ، فلم تجزم إلا في الضرورة.
وقد تخرج عن معنى الشرط نحو : (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) [الشورى / ٣٧] ، (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) [الشوري / ٣٩] ، فإذا في الآيتين ظرف لخبر المبتدإ بعدها ، ولو كانت شرطيّة والجملة الاسميّة جوابا لاقترنت بالفاء ، وقول بعضهم : إنّه على إضمارها ، مردود بأنّها لا تحذف إلا في الضرورة ، أو نادر من الكلام ، وقول الآخر : إنّ الضمير تؤكيد لا مبتدأ ، وإنّ ما بعده الجواب تعسّف ، وقول آخر : إنّ جوابها محذوف مدلول عليه بالجملة تكلّف من غير ضرورة ، ومن ذلك إذا الّتي بعد القسم نحو : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) [الليل / ١] ، (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) [النجم / ١] ، إذ لو كانت شرطيّة كان ما قبلها جوابا في المعنى كما في قولك : أجيئك إذا جئتني ، فيكون التقدير إذا يغشى الليل وإذا هوي النجم أقسمت ، وهذا يمتنع ، لأنّ القسم الإنشائيّ لا يقبل التعليق ، لأنّ الإنشاء ثابت ، والثابت لا يقبل التعليق.
__________________
(١) هو للبرج بن مسهّر. اللغة : الندمان : النديم في الشرب ، تغوّرت : غربت.
(٢) البسر : تمر النخل قبل أن يرطب.