وذهب المبرّد والفارسيّ وأبو الفتح إلى أنّها ظرف زمان ، وعزي إلى سيبويه ، وتظهر فائدة الخلاف إذا قلت : خرجت فإذا الأسد ، فعلى الأوّل لا يصحّ كونها خبرا ، لأنّ الحرف لا يخبر به ولا عنه ، وكذا على الثاني ، لأنّ الزمان لا يخبر به عن الجنة إلا أن يقدّر مضاف ، أي فإذا حضور الأسد ، ويصحّ على الثالث أي فبالحضرة الأسد.
فإن قلت : فإذا القتال صحّت خبريّتها عند غير الأخفش والكوفيّين ، وتقول : خرجت فإذا زيد جالس أو جالسا ، فالرفع على الخبريّة ، وإذا نصب به ، والنصب على الحالية ، والخبر إذا قلنا : إنّها مكان ، وإلا فهو محذوف ، فإن قلت : الجالس أو القائم امتنع النصب لامتناع كون الحال معرفة.
مناظرة زنبوريّة
وهذا هو الوجه الّذي أنكره سيبويه على الكسائيّ لمّا سأله في المجلس الّذي جمعها بين يدي خالد بن يحيي البرمكي (١) في مناظرتهما المشهورة بالزنبوريّة ، وهي قولهم : كنت أظنّ أنّ العقرب أشدّ لسعة من الزنبور ، فإذا هو هي ، أو فإذا هو إيّاها.
وكان من خبر ذلك أنّ سيبويه لمّا قدم على البرمكة ، احتفل له يحيى ، وعزم على الجمع بينه وبين الكسائيّ ، فجعل لذلك يوما ، فحضر سيبويه ، وأحضر الفرّاء خلف وغيرهما من جماعة الكسائيّ ، وكاده القوم كيدا ، وأوّل من تقدّم إليه خلف فسأله ، فأجاب فيها ، فقال له أخطات ، ثمّ سأله ثانية وثالثة ، وهو يقول له كلّما أجاب : أخطات ، وبدون ذلك ينحرف مزاج الشاب الغريب ، ويذهب فكر الفطن الأريب ، فلم يزد سيبويه إلى أن قال لخلف : هذا سوء أدب ، فأقبل إليه الفرّاء مضمرا ما أظهره صاحبه ، مظهرا أنّه سينصف فيما يقول ، ويستعمل الأدب فيما يبديه ، ويعيده ، فقال : إنّ في هذا الرجل حدّة وعجلة ، ولكن ما تقول في كذا ، وسأله مسألة أخرى ، فأجابه ، فقال : أعد النظر ، وهي كلمة تدانى كلمة صاحبه ، فأدرك سيبويه أنّ مقصودهما إقحامه ، وأن يرفعا درجة شيخهما الكسائيّ عن مناظرته ، فإن كانت الغلبة لهما ، قيل : غلبه غلاملاه ، وإلا فإن يغلبا فخير عندهما من أن يغلب شيخهما ، فقال سيبويه : لست أكلّمكما ، أو يحضر صاحبكما ، يعني الكسائيّ.
فحضر الكسائيّ ، فقال : تسألني أو أسألك ، فقال له سيبويه : سل أنت ، فسأله عن هذا المثال الزنبوري ، فقال سيبويه : فإذا هو هي ، ولا يجوز النصب ، وسأله عن أمثال
__________________
(١) هو من البرامكة وهم أسرة فارسية من بلخ تولّي أبناؤها الوزارة في عهد العباسيين. عظم شأنهم وقرّبوا الشعراء واشتهروا بالكرم. المنجد في الأعلام ص ١١٨.