١٠٠١ ـ كي تجنحون إلى سلم وما ثئرت |
|
قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم (١) |
وهى اسم لدخول الجارّ عليها بلا تأويل في قولهم : على كيف تبيع الأحمرين؟ أي اللحم والخمر ، ولإبدال اسم الصريح منها كيف أنت؟ أصحيح أم سقيم؟ والإخبار بها مع مباشرة الفعل ، نحو : كيف كنت؟ فبالإخبار بها انتفت الحرفيّة ، وبمباشرة الفعل انتفت الفعليّة. وترد على وجهين :
أحدهما : أن تكون شرطيّة ، فيقتضي فعلين متّفقي اللفظ والمعنى ، نحو : كيف تصنع أصنع ، ولا يجوز : كيف تجلس أذهب باتّفاق ، وتجزم فعلين عند النّحاة الكوفيّين وقطرب من البصريّين مطلقا ، وقيل : بشرط اقترانها بما ، نحو : كيفما تكن أكن. قالوا : ومن ورودها شرطيّة قوله تعالى : (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) [المائدة / ٦٤] ، (يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) [آل عمران / ٦] (فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ) [الروم / ٤٨] ، وجوابها في ذلك كلّه محذوف لدلالة ما قبلها. قال ابن هشام : وهذا يشكل على اطلاقهم أنّ جوابها يجب مماثلثه لشرطها ، انتهى.
قيل : ولقائل أن يقول : لا إشكال ، لأنّا لا نقدّر الجواب فعلا مثل الّذى قبلها ، وإنّما نقدّره فعلا مضارعا من المشيئة متعلّقا بالحدث الّذى قبلها ، والتقدير كيف يشاء الأمور يشاء الاتّفاق ، أى لا فرق بين الشيئين إلا بالتعلّق ، فصدق أنّ شرطها مماثل لجوابها ، وأنّ جوابها محذوف لدلالة ما قبلها ، لأنّ ما قبلها فعل اختياريّ ، والأفعال الاختياريّة لها دلالة على المشيئة واستلزام لها ، وكثيرا ما تطلق وتراد هي منها كقوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) [المائدة / ٦] ، أى أردتم القيام لها.
والثاني : أن تكون استفهاميّة ، وهو الغالب فيها ، ويستفهم بها عن حال الشيء لا عن ذاته. قال الراغب (٢) : وإنّما يسأل بها عمّا يصحّ أن يقال فيه : شبيه وغير شبيه ، ولهذا لا يصحّ أن يقال في الله تعالى : كيف ، قال : وكلّما أخبر الله بلفظ كيف عن نفسه ، فهو استخبار على طريقة التنبيه للمخاطب أو التوبيخ له ، نحو : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) [البقرة / ٢٨] ، (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً) [آل عمران / ٨٦] ، انتهى.
قال في المغني : الاستفهام بها إمّا حقيقىّ ، نحو : كيف زيد؟ أو غيره ، نحو : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) الآية ، فإنّه أخرج مخرج التعجّب.
__________________
(١) لم يسمّ قائله : اللغة : تجنحون : تميلون ، السلم : الصلح ، ثئرت : مجهول من ثار دمه ، أى طلب دمه وقاتل قاتله ، القتلى : جمع قتيل ، اللظى : النار ، الهيجاء : الحرب ، تضطرم : تشتعل.
(٢) الراغب الإصفهاني (الحسين بن محمّد) (ت ٥٠٢ ه) إمام من حكماء العلماء ، اشتهر بالتفسير واللغة ، من آثاره «المفردات في غريب القرآن». المنجد فى الأعلام ص ٢٦٠.