قال ابن هشام الأنصاريّ : وهذا الّذي قالاه كإنكار الضروريات ، إذ فهم الامتناع منها كالبديهىّ ، فإنّ كلّ من سمع : لو فعل ، فهم عدم وقوع الفعل من غير تردّد ، ولهذا جاز استداركه ، فتقول : لو جاءني زيد لأكرمته ، لكنّه لم يجئ.
الثاني : أنّها تفيد الشرط وامتناع الجواب جميعا ، وهو القول المشهور الجاري على ألسنة المعربين ، وعباراتهم لو حرف امتناع لامتناع ، أي امتناع الجواب لامتناع الشرط ، وردّ بعدم امتناع الجواب في مواضع كثيرة كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) [لقمان / ٢٧] وقول عمر : نعم العبد صهيب (١) لو لم يخف الله لم يعصه ، فإنّ عدم النفاد محكوم به ، سواء وجد الخوف أم لا ، وأجيب بأنّ انتفاء الشرط والجواب هو الأصل فيها ، فلا ينافيه بقاء الجواب فيها مع انتفاء الشرط في بعض المواضع.
الثالث : وهو مختار المصنّف وفاقا لابن مالك ، واختاره جماعة من محقّقي المتأخّرين أيضا ، إنّها تفيد امتناع شرطها دائما مثبتا كان أو منفيّا ، واستلزامه أي شرطها لجوابها من غير تعرّض لامتناع الجواب ولا ثبوته ، فإذا قلت : لو قام زيد قام عمرو ، فقيام زيد محكوم بانتفائه فيما مضى ، وبكونه مستلزما ثبوته لثبوت قيام من عمرو ، وهل لعمرو قيام آخر غير اللازم عن قيام زيد؟ أو ليس له ، لا تعرّض في الكلام لذلك ، وعبارة ابن مالك في التسهيل : لو حرف شرط ، يقتضي امتناع ما يليه استلزامه لتاليه.
قال ابن هشام : وهذه أجود العبارات ، ثمّ الجواب إن لم يكن له سبب غير ذلك الشرط بحيث لم يخلفه غيره لزم امتناعه أيضا لملازمته له شرعا أو عقلا أو عادة ، فالأوّل نحو قوله تعالى في بلعم بن باعورا : (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) [الأعراف / ١٧٦] ، فلو هنا دالّة على أنّ مشيئة الله تعالى لرفع هذا المنسلخ منفيّة ، ويلزم من نفيها أن يكون رفع المنسلخ منفيّا ، إذ لا سبب للرفع إلا المشيئة ، وقد انتفت ، فيكون منفيّا ، لأنّ انتفاء السبب يستلزم انتفاء المسبّب ضرورة ، كما أنّ ثبوت السبب يستلزم ثبوت المسبّب كذلك لما بينهما من التلازم الشرعيّ.
والثاني : كقولك : لو كانت الشمس طالعة ، كان النهار موجودا ، فطلوع الشمس سبب لوجود النهار ، وقد انتفى بدخول لو عليه ، فينتفي وجود النهار ، لأنّ وجود
__________________
(١) صهيب بن سنان (ت / ٣٨ ه) صحابي ، أحد السابقين إلى الإسلام ، هاجر إلى المدينة ، وتوفّي بها. المنجد في الأعلام ص ٣٤٩.