كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) [المائدة / ١١٦] ، والشرط لا يكون إلا مستقبلا ، ولكن المعنى إن ثبت أنّي كنت قلته ، وكذا هنا المعنى : لمّا ثبت اليوم إكرامك أمس أكرمتك.
والقول بالحرفيّة مذهب سيبويه ، وقال بعضهم : هو الصحيح ، ورحّجوا بأمور :
منها قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ) [سبأ / ١٤] ، وقوله تعالى : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) [العنكبوت / ٦٥] ، وما بعد ما النافية وإذا الفجائيّة ، لا يعمل فيما قبلها.
ومنها إجماعهم على زيادة إن بعدها نحو ، (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً) [العنكبوت / ٣٣] ، (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) [يوسف / ٩٦] ، ولو كانت ظرفا ، والجملة بعدها في موضع خفض بسبب الإضافة ، لزم الفصل بين المضاف والمضاف إليه بأن.
تنبيهات : الأوّل : ظاهر كلام المصنّف أنّ الخلاف أنّما هو في حقيقة لمّا ، لا في معناها ، وليس كذلك ، فإنّها عند القائل بالظرفية إنّما تدلّ على مجرّد الوقت ، وعند القائل بالحرفيّة تدلّ على الارتباط كما مرّ ، وإيضاحه أنّا إذا قلنا : لمّا جاء زيد جاء عمرو ، لم يقتض هذا اللفظ عند القائل بالظرفيّة أنّ وجود الأوّل سبب لوجود الثاني ، بل أنّ الثاني وجد عند وجود الأوّل ، وهل ذلك لتسبّبه عنه أو بطريق الاتّفاق لا تعرّض في اللفظ لذلك ، وأمّا القائل بالحرفيّة فيقول بالسببيّة.
الثانى : تختصّ لمّا هذه بالماضي لفظا أو معنى ، ويكون جوابها كذلك اتّفاقا ، نحو :
(فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ) [الإسراء / ٦٧] ، وجوّز ابن مالك كونه جملة اسميّة مقرونة بإذا الفجائيّة أو بالفاء ، نحو : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) [الأنبياء / ١٢] ، (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) [لقمان / ٣٢] ، وابن عصفور كونه فعلا مضارعا ، نحو : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا) [هود / ٧٤] ، وقيل في آية الفاء : إنّ الجواب محذوف ، أي انقسموا قسمين : فمنهم مقتصد ، وفي آية المضارع أنّ الجواب : (جاءَتْهُ الْبُشْرى) على زياده الواو ، أو محذوف ، أى أقبل يجادلنا (١).
الثالث : قال في المغني : من مشكل لمّا هذه قول الشاعر [من الطويل] :
١٠٣٣ ـ أقول لعبد الله لمّا سقاؤنا |
|
ونحن بوادي عبد شمس هاشم (٢) |
فيقال : أين فعلاها؟ والجواب أنّ «سقاؤنا» فاعل بفعل محذوف يفسّره ، وهي بمعنى سقط ، والجواب محذوف ، تقديره قلت ، بدليل قوله أقول ، وقوله : شم أمر من
__________________
(١) فى «ح» من قيل في آية حتّى هنا سقط.
(٢) لم يذكر قائله. اللغة : السقاء : الدلو.