انصرف إلى المعنى المضي بأداة كما سيأتي ، ولا جمعه بأن ضربت وبعث واشتريت مريدا للإنشاء ونحو ذلك ، ممّا الماضي فيه مصروف إلى الحال أو الاستقبال ، نحو : غفر الله لك ، فإنّ دلالته على ذلك ليس من حيث أصل الوضع ، وإنّما هي لعارض. وسمّي هذا الفعل ماضيا باعتبار زمانه المستفاد منه ، وقدّمه في التقسيم ، لأنّه جاء على الأصل ، إذ هو متّفق على بنائه.
تاء التأنيث : «ويختصّ» أي الماضي «بلحوق إحدي التاءات الأربع» ، وهي راجعة إلى تائين ، إحداهما تاء التأنيث الساكنه ، وهي تلحقه ، متصرّفا كان أو جامدا ، إلا أفعل في التعجّب ، وحبّذا في المدح ، وما عدا وما خلا وحاشا في الاستثناء ، وكفي في قولهم : كفي بهند ، ولا يقدح في كونها أفعالا ماضية ، لأنّ العرب التزمت تذكير فاعلها ، واختصّت الساكنة به ، لأنّها إنّما سكنت للفرق بين تا الأفعال وتا الأسماء ، وكانت أولي بالسكون لخفّته لتجبر ثقل الفعل بتركّب معناه أبدا من الحدث والزمان والنسبة بخلاف غيره ، فإنّه خفيف لبساطة معناه غالبا.
والمراد بالساكنة الساكنة بالذّات ، فلا يضرّ تحركها العارض كالتقاء الساكنين ، نحو : (قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ) [يوسف / ٥١] ، (وَقالَتِ اخْرُجْ) [يوسف / ٣١] ، بكسر الأولي وضمّ الثانية في قراءة أبي عمر. والتقييد بالساكنة للاحتراز عن المتحرّكة ، فإنّها تلحق الأسماء كقائمة ، والحروف كربّت وثمّت ، إلا أنّ حركتها في الاسم حركة إعراب ، وفي الحرف حركة بناء ، وقد تكون في الاسم حركة بناء كلا حول ولا قوّة.
والثانية : تاء الفاعل ، قال ابن مالك : وتقييد هذه التاء بإضافتها إلى الفاعل أولى من تقييدها بالإضافة إلى المتكلّم أو المخاطب ، لأنّ الفاعل يعمّهما ، وذكره مانع من دخول تاء الخطاب اللاحقة في أنت ، فإنّها حرف ، وقد اتّصل باسم ، فلو قيل بدل تاء الفاعل تاء المخاطب لدخلت تاء أنت ، فيلزم كون ما اتصلت به فعلا ، انتهى.
وإنّما اختصّت هذه التاء بالفعل ، لأنّها فاعل ، فلا بدّ لها من فعل ، وهو ما اتّصلت به ، وهي تنقسم إلى ثلاثة أنواع ؛ تاء المتكلّم ، نحو : ضربت بضمّها ، وتاء المخاطب ، نحو : ضربت بفتحها ، وتاء المخاطبة ، نحو : ضربت بكسرها ، فالتاءات أربع ، وهذا تفننّ من المصنّف ـ رحمه الله ـ في العبارة.