فالاسم كما في نحو : ما أحسن زيد ، ترفع زيدا ، إذا قصدت النفي ، وتنصبه إذا قصدت التعجّب ، وتخفضه مع رفع أحسن إذا قصدت الاستفهام عمّا هو الأحسن منه.
والفعل كما في نحو : لا تاكل سمكا وتشرب لبنا ، ترفع تشرب ، إذا أردت النّهي عن الأوّل وإباحة الثاني ، وتنصبه إذا أردت النهي عن الجمع بينهما ، أي لا يكن منك أكل سمك مع شرب لبن. وتجزمه إذا أردت النهي عن كلّ منهما.
وقضيّة ذلك الاشتراك في الإعراب ، لكن لمّا كانت المعاني المتعاقبة على الاسم لا يميّزها إلا الإعراب ، لأنّ الرافع والناصب والخافض إنّما هو أحسن المعاني المتعاقبة على المضارع ، يميّزها غيره أيضا كإظهار العوامل المقدّرة من أنّ في النّصب ، ولا النّاهية في الجزم ، والقطع في الرفع ، كان الاسم أشدّ احتياجا إلى الإعراب من المضارع ، فكان أصلا في الإعراب ، وذلك فرعا فيه ، هذا قول ابن مالك. قال : وهو أولي من الجمع بينهما بالإبهام والتخصيص ودخول لام الابتداء ومحاذاة (١) اسم الفاعل ، لأنّ المشابهة بهذه الأمور بمعزل عمّا جيء بالإعراب لأجله بخلاف الّتي اعتبرتها.
قال ابن هشام : وهذا مركّب من مذهب البصريّين والكوفيّين ، فإنّ البصريّين لا يسلمون قبوله ، ويرون إعرابه بالشبه ، والكوفيّين يسلّمون ، ويرون إعرابه أصالة كالاسم ، وابن مالك يسلّمه ، وادّعي أنّ الإعراب بالشبه لا أصالة.
سين الاستقبال : «ويختصّ» المضارع «بالسين» ، أي سين الاستقبال ، فاللام للعهد ، وهي بمترلة الجزء منه ، ولذا لم تعمل فيه مع اختصاصه بها ، كذا كلّ حرف اختصّ به شئ وتترل مترلة الجزء ، فإنّه لا يعمل بخلاف ما إذا لم يترّل ، وليست السين مقتطعة من سوف خلافا للكوفيّين ، ولا مدّة الاستقبال معها أضيق منها مع سوف خلافا للبصريّين.
ومعنى قول المعرّبين فيها حرف تنفيس حرف توسيع ، وذلك أنّها نقلت المضارع من الزّمن الضّيّق ، وهو الحال إلى الزمن الواسع ، وهو الاستقبال ، وأوضح من عبارتهم قول الزمخشريّ وغيره حرف استقبال ، قاله في المغني (٢) ، وإنّما اختصّ المضارع بها ، لأنّها تخلّصه إلى الاستقبال ، هو معنى يختصّ به.
قال ابن هشام ، وزعم الزمخشريّ أنّها إذا دخلت على فعل محبوب أو مكروه أفادت أنّه واقع لا محالة ، ولم أر من فهم وجه ذلك ، ووجهه أنّها تفيد الوعد بحصول الفعل ، فدخولها على ما يفيد الوعد أو الوعيد مقتض لتوكيده وتثبيت معناه ، وقد أومأ إلى
__________________
(١) المحاذاة : مصدر حاذاه بمعنى صار بحذائه ووازاه.
(٢) ابن هشام الانصاري ، مغني اللبيب ، الطبعة الخامسة ، بيروت ، ١٩٧٩ م ، ص ١٨٤.