يدلّ على الحال بالتضمّن ، لأنّ دلالته عليه من حيث كونه فعلا ، والمعتبر في فعليّته أنّما هو الحدث الّذي وضع له ، لا الحدث الّذي أوقع عليه ما وضع له وعلى الاستقبال بالالتزام ، لأنّ دلالته عليه لضرورة امتناع تحصيل الحاصل غاية ما في الباب أنّ رعاية جانب اللفظ أوجبت أن نقول إنّه يتضمّن كلا الزمانين لتضمّنه لكلا الحدثين ، فتدبّر.
هذا كلامه ، وسمّي هذا الفعل أمرا ، أمّا عند المصنّف فظاهر ، لكونه موضوعا لطلب الفعل على جهة الاستعلاء ، واستعماله عنده في غير ذلك مجاز كما صرّح به في الزبدة (١) ، وأمّا عند النّحويّين فلاستعماله غالبا في طلب الفعل على جهة الاستعلاء.
«ويعرف» أي : يميّز عن قسميه «بفهم الأمر منه» أي من نفسه لا بانضمام غيره إليه ، ليخرج نحو : لتقم ، فإنّه وإن فهم الأمر منه ، لكن ليس من الصيغة نفسها ، بل نشأ من اللام ، والمراد بالأمر المفهوم الأمر اللغويّ ، فلا يقال : أخذ الأمر فيما يعرف به الأمر يستلزم الدور.
نونا التوكيد الخفيفة والثقيلة : ولا بدّ مع فهم الأمر منه من قبوله إحدى نوني التوكيد الثقيلة أو الخفيفة ، نحو : قومنّ وقومن ، فلو فهم الأمر من كلمة ، ولم تقبل إحدى نوني التأكيد ، فهي اسم فعل ، كترال بمعنى انزل ، ودراك بمعنى أدرك ، أو مصدر ك ضربا زيدا ، أو حرف ، نحو : كلّا بمعنى انته ، أو قبلتها ولم يفهم منها الأمر ، فهي مضارع ، نحو : (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً) [يوسف / ٣٢] أو فعل تعجّب ، نحو : أحسننّ بزيد ، فإنّه ليس بأمر على الأصحّ بل علي صورته.
تنبيه : كلّ من نوني التأكيد أصل برأسه عند سيبويه والبصريّين ، وقال الكوفيّون : الثقيلة أصل ، والخفيفة فرع ، ومعناهما التأكيد.
قال الخليل : والتوكيد بالثقلية أبلغ. قال في التصريح : ويدلّ له قوله تعإلى : (لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) فإنّ امرأة العزيز كانت أشدّ حرصا علي سجنه من كينونته (٢) صاغرا ، وهما من خصائص الفعل ، وأمّا قوله [من الرجز] :
٤٣ ـ أقائلنّ أحضروا الشّهودا (٣)
__________________
(١) زبدة الأصول من آثار الشيخ البهايي.
(٢) كينونة من مصادر كان.
(٣) قبله
«أريت إن جاءت به أملودا |
|
مرجّلا ويلبس البرودا» |
وينسب لرؤبة بن العجاج ، اللغة :
أريت : أصله أرأيت ، بمعنى أخبرني ، حذفت الهمزة تخفيفا. الأملود : الناعم الليّن. مرجّلا : مسرّحا. البرود : جمع برد ، نوع من الثياب معروف. وقوله : أقائلن : خبر مبتدا محذوف ، والتقدير : أفأنتم قائلنّ.