عبد الرحمن بن أبي بَكْرَةَ عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حَجَّةِ الوَدَاع : «ألَا لا (١) تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّاراً يضربُ بعضُكم رقابَ بعض».
قال أبو منصور : في قوله كُفَّاراً قولانِ أحدهما : لابسينَ السِّلاحَ متهيئينَ للقتالِ.
والقول الثاني : أنه يُكَفِّرُ الناسَ فيكفُرُ كما تفعل الخوارجُ إذا استعرضوا الناسَ فيكفِّروهم وهوكقوله عليهالسلام : «مَنْ قالَ لأخِيه يا كافرُ. فقد بَاءَ به أَحَدُهما».
ويقال : رَمَادٌ مَكْفُورٌ أَي سَفَتْ عليه الرِّياحْ التُّراب حتى وارَتْه. قال الراجز :
قدْ دَرَسَتْ غَيْرَ رمادٍ مَكْفُورْ |
مُكتئبِ اللونِ مَرُوحٍ مَمْطور |
وقال الآخر :
فَوَرَدتْ قبلَ انبلاجِ الفَجْرِ |
وابنُ ذُكاءٍ كامنٌ في كَفْرِ |
ويروى في كِفْرٍ ، وهما لغتان ، وابنُ ذكاءَ يعني الصبحَ.
ويروى في كَفْرٍ أَي فيما يواريه من سواد الليل ، وقد كَفَرَ الرَّجلُ متاعهُ أَي أوعاهُ في وعاءٍ.
(قلت) : ومَا قاله ابن السكيت ، فهو بَيِّنٌ صحيح ، والنِّعَمُ التي سترها الكافرُ هي الآياتُ التي أبانت لذوي التمييز أنَّ خالقها وَاحد لا شريكَ له ، وكذلك إرسالُه الرسلَ بالآيات المعجزة ، والكتب المنزلة ، والبَراهِينِ الواضحة : نِعَمٌ منه جلّ اسمُه بينةٌ ، ومن لم يصدِّقْ بها وردّها فقد كَفَرَ نعمة الله أي سَتَرها وحَجَبَها عن نفسه.
والعرب تقول للزارع : كافرٌ لأنه يَكْفُرُ البَذْرَ المبذورَ في الأرض بتراب الأرض التي أثارها ثم أمَرَّ عليها مالَقَه.
ومنه قول الله جل وعز : (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ) [الحديد : ٢٠] ، أي أعجب الزُّرَّاعَ نباتُه مع علمهم به فهو غايةُ ما يُسْتَحْسَنُ ، والغيثُ هَاهُنَا : المطرُ : والله أعلم.
وقد قيل : الكفَّارُ في هذه الآية : الكفارُ باللهِ ، وهم أشد إعجاباً بزينة الدنيا وحَرْثِها من المؤمنين.
وروي عن أبي هريرة أنه قال : «لَيُخْرِجَنَّكُمُ الرُّومُ منها كَفْراً كَفْراً إلى سُنْبُكٍ مِنَ الأرْض» قيل وما ذلك السُنْبُكُ؟ قال : حِسْمَي جُذَامٍ.
قال أبو عبيد : قوله كَفْراً كَفْراً يَعْنِي قَرْيةً قريةً ، وأَكْثرُ من يتكلم بهذه الكلمة أهلُ الشام ، يُسَمُّونَ القريةَ : الكَفْرَ.
ولهذا قالوا كَفْرُ تُوثا ، وكَفْرُ يعْقابَ وكَفْرُ
__________________
(١) زيادة من «اللسان» (كفر).