ورُوي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنَّه قال : «قُمْتُ على بابِ الجنَّةِ فإذا عامَّةُ مَنْ يَدْخُلُها الفُقَرَاءُ ، وإذا أَصْحَابُ الجَدِّ مَحْبُوسُونَ» ، يَعْنِي ذَوِي الحظِّ والغِنَى في الدُّنْيَا.
قال أبو عبيد : وقد زَعَمَ بعضُ الناس أنَّمَا هو : ولا يَنْفَعُ ذا الجِدِّ مِنْكَ الجِدُّ ، بكسر الجيم ، والجِدُّ إنما هو الاجتهادُ في العمل.
قال : وهذا التأويلُ خلافُ ما دعا الله إليه المؤمنينَ ، وَوَصَفَهُمْ به ، لأنه قال في كتابه : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً) [المؤمنون : ٥١] ، فقد أمرهم بالجِدّ والعمل الصالح ، وحَمِدَهُمْ عليه ، فكيف يَحْمَدُهم عليه ، وهو لا يَنْفَعُهُم.
(قلت) : وقولُ العرب : فلانٌ صاعدُ الجَدَّ ، معناهُ : البَخْتُ والحَظُّ في الدُّنْيَا.
وقال أبو زيد : يقال : رَجُلٌ جَدِيدٌ إذا كان ذا حَظٍّ من الرِّزْقِ ، ورجُلٌ مَجْدُودٌ : مثلُه ، وفلانٌ أجدُّ من فلانٍ ، وأحَظُّ منه.
وأخبرني الإياديُّ عن شمرٍ أنه قال : رَجُلٌ جُدٌّ بضمِّ الجيم أي مَجْدُودٌ ، وقومٌ جُدُّونَ.
وقال ابنُ بُزُرْجَ يقال : هم يَجَدُّونَ بهم ويَحَظُّونَ بهمْ ، وقد جدِدْتَ وحَظِظْتَ تَجَدُّ وتحَظُّ ، أي : صِرْتَ ذا حَظِّ وغِنًى.
والجَدُّ : أَبُ الأبِ معروف ، وجمعه : جُدُودٌ ، وجُدُودَةٌ وأَجْدَادٌ.
وأُمُّ الأمِّ ، وأُمُّ الأبِ يقال لها : جَدَّةٌ ، وجمعُها : جَدَّاتٌ.
والجدُّ : مصدرُ جَدَّ التَّمرَةَ يَجُدُّها جَدّاً ونهى رسولُ الله صلىاللهعليهوسلم عن جَدَادِ اللَّيْلِ.
قال أبو عبيد : هو أَنْ يَجُدَّ النَّخْلَ لَيْلاً ، والجَدَادُ : الصَّرَامُ.
يقال : إنَّه إنَّما نهى عن ذلك ليلاً لمكان المساكين أنهُم كانُوا يَحْضُرُونَهُ فيتصَدَّقُ عليهم منه لقوله جلّ وعزّ : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) [الأنعام : ١٤١] ، وإذا فعل ذلك ليلاً فإنما هو فارٌّ من الصَّدَقَةِ.
قال أبو عبيد وقال الكسائي : هو الجِدَادُ والجَدَادُ ، والحِصَادُ ، والحَصَادُ ، والقَطَافُ والقِطَافُ ، والصَّرَامُ ، والصِّرَامُ.
وفي حديث أبي بكرٍ ، أنه قال لابنته عائشة عند موته : «إنّي كُنْتُ نَحْلْتُكِ جادَّ عِشْرِينَ وَسْقاً من النَّخْلِ وبُودّي أنكِ كنت حُزْتيه فأمَّا اليوم فهو مالُ الوَارِثِ» وتأويلُه أنَّه كان نَحَلَها في صحّتِه نَخْلاً كان يُجَدُّ منه في كل سنةٍ عِشْرُون وَسْقاً ، ولم يكُنْ أقْبَضَها ما نَحَلَها بلسانه ، فلمّا مرض رأى النَّخْلَ وهو غيرُ مقبوضٍ غيرَ جائزٍ لها فأَعْلَمها أنه لم يصحّ لها ، وأنّ سائرَ الوَرَثَةِ شُرَكَاؤُها فيه.
وقال الأصمعي : يقال : لفلانٍ أرضٌ جادُّ مئةِ وَسْقٍ أي تُخْرجُ مئَةَ وَسْقٍ إذا زُرِعَتْ ، وهو كلامٌ عربيٌّ فصيحٌ.