عاودته العلةُ.
يقال : نَكَسْت الخِضابَ إِذا أَعَدْتَ عليه مرَّة بعد مرة ، وأنشد :
كالوَشْم رُجّع في اليَدِ المنكوس
وفي الحديث : أنه قيل لابن مسعودٍ : إن فُلاناً يقرأُ القرآن مَنْكُوساً ، قال : ذاك منكوسُ القْلبِ.
قال أبو عبيد : يَتَأَوَّله كثيرٌ من الناس أنه أَن يبدأَ الرَّجلُ من آخر السُّورَةِ فيقرأَها إلى أوَّلها. قال : وهذا شيءٌ ما أَحسِبُ أَحداً يطيقُه ، ولا كان هذا في زمن عبد الله ولا أعرفه. ولكن وَجهه عِندي أن يبدأ من آخر القرآن من المعوذتين ثم يرتفع إلى البقرة كنحو مما يتعلم الصبيان في الكُتّابِ ، لأن السُّنة خلاف هذا ، يُعلم ذلك بالحديث الذي يحدِّثه عثمان عن النبي صلىاللهعليهوسلم «أنه كان إِذا أُنزلت عليه السورة أو الآية قال : ضعوها في الموضع الذي يُذكر كذا وكذا» ألا ترى أن التأليف الآن في هذا الحديث من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم كُتبت المصاحف على هذا. قال : وإنما جاءت الرُّخصة في تعلم الصبيِّ والعجميِّ مِنَ المُفَصَّل لصعوبة السُّوَر الطوال عليهما. فأما مَن قرأ القرآن وحفِظه ثم تعمّد أن يقرأه مِنْ آخره إلى أوله فهذا النَّكْسُ المنهي عنه ، وإِذا كرِهنا هذا فنحن للنَّكْسِ مِن آخر السورةِ إلى أولها أشدُّ كراهةً ، إن كان ذلك يكون.
وقال شمر : النَّكْسُ في أشياء. ومعناه يَرْجع إلى قلبِ الشيء وردِّه وجعلِ أعلاه أسفلَه ، ومقدَّمِه مؤخَّرَه.
وقال ابن شميل : نكَسْتُ فلاناً في ذلك الأمر أي رَدَدتُه فيه بعد ما خرج منه.
وقال شمر : النُّكَاسُ : عوْدُ المريض في مرضه بعد إِفراقِه. وقال أمية بن أبي عائذٍ الهذلي :
خَيَالٌ لِزَيْنَبَ قَدْ هَاجَ لي |
نُكاساً مِنَ الحُبِّ بَعْدَ انْدِمَالِ |
قال الفراء في قوله تعالى : (ثُمَ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ) يقول : رجعوا عما عرفوا من الحجة لإبراهيم عليهالسلام.
وقال الله تعالى : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨)) [يس : ٦٨].
قال أبو إِسحاق : معناه : مَن أطلْنا عُمْرَه نكَّسْنا خلقه ، فصار بدلُ القوة الضعفَ وبدلُ الشباب الهرمَ.
وقال الفراء : قرأَ عاصمٌ وحمزة : (نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) وقرأ أهل المدينة : نَنْكُسْهُ بالتخفيف. وقال قتادة : هو الهرمُ.
وقال شمر : يقال : نكَّسَ الرجلُ إِذا ضَعُف وعجز.
وأنشدني ابن الأعرابي في الانتكاس :
وَلَمْ يَنْتَكِسْ يَوْماً فَيُظْلِمَ وجْهُهُ |
لِيمَرَضَ عَجْزاً أَوْ يضارعَ مَأثما |