روَى حديثَ أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «كل مولود يُولد على الفطرة» الحديث.
ثم قرأ أبو هريرة بعد ما حدّث بهذا الحديث : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) [الروم : ٣٠].
قال إسحاق : ومعنى قولِ النبيّ صَلَى الله عليه وسلّم على ما فَسّر أبو هريرة حين قرأ : (فِطْرَتَ اللهِ) ، وقوله : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) يقول لتِلْكَ الخِلقةِ الَّتي خلَقَهم عليها إمّا لجنّةٍ أو نارٍ حين أخرَج من صُلب آدمَ كلَّ ذريةٍ هو خالقُها إلى يوم القيامة ، فقال : هؤلاء للجنة ، وهؤلاء للنار ، فيقول كلّ مولود يُولد على تلك الفِطرة ، ألا ترَى غلامَ الخَضِر.
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «طَبَعه الله يومَ طَبَعه كافرا وهو بين أبويْن مؤمنين ، فأعلم الله الخضرَ بخِلقته التي خلقه عليها ولم يعلم موسى ذلك ، فأراه الله تلك الآية ليزداد عِلما إلى عِلمه».
قال : وقوله : «فأبواه يهودانه وينصرانه» يقول : بالأبويْن يُبيَّن لكم ما تحتاجون إليه في أحكامكم من المواريث وغيرها.
يقول : إذا كان الأبوان مؤمنين فاحكموا لولدهما بحكم الأبويْن في الصلاة والمواريث والأحكام ، وإن كانا كافرين فاحكموا لولدهما بحكم الكافر أنتم في المواريث والصلاة ، وأمّا خِلْقته التي خُلق لها فلا عِلم لكم بذلك.
ألا تَرى أنّ ابن عباس حين كَتب إليه نَجْدةُ في قتْل صِبْيَان المشركين كتب إليه : إن عَلمتَ من صبيانهم ما عَلِم الخَضِرُ من الصّبيّ الذي قَتَله فاقتلهم.
أراد أنه لا يَعلم عَلم الخَضِر أَحَدٌ في ذلك ، لمَا خَصّه الله به ، كما خصَّه بأمر السَّفينة والجِدار ، وكان مُنْكَرا في الظاهر ، فعلّمه الله عِلم الباطن فحَكم بإرادة الله في ذلك.
قلت : وكذلك القول في أطفال قوم نوح الذين دَعَا على آبائهم وعليْهم بالغَرق ، إنما استجاز الدّعاء عليهم بذلك وهم أطفال ، لأن الله جلّ وعزّ أعلمه أنهم لا يؤمنون حيث قال له : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) [هود : ٣٦] ، فأعلمه أنهم فُطِروا على الكفر.
قلت : والّذي قاله إسحاق هو القول الصحيح الّذي دلّ عليه الكتاب ثم السُّنة.
وقال أبو إسحاق في قول الله جلّ وعزّ : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) [الروم : ٣٠] منصوبٌ بمعنى اتّبع فِطرةَ الله ؛ لأن معنى قوله : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ) [الروم : ٣٠] ، اتّبع الدِّين القَيِّم ، اتّبع فطرةَ الله ، أي : خِلقة الله التي خلَق عليها البَشَر.
قال : وقولُ النبي صلىاللهعليهوسلم : «كلُّ مولودٍ يُولد على الفطرة» معناه : أن الله فَطَر الخلق على الإيمان به ؛ على ما جاء في الحديث : «أن الله أخرج من صُلب آدم ذُريّةً كالذَّرِّ (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ) بأنه خالِقهُم»، وهو قول الله جلّ وعزّ : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ) الآية إلى قوله