(فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً) [الصافات : ١١] أي فاسألهم سؤال تقرير أهم أشد خلقا من الأمم السالفة؟ وقوله : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ) [النساء : ١٧٦] أي يسألونك سؤالَ تَعلُّمٍ.
ومن مهموز هذا الباب قول الله جلّ وعزّ : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) [يوسف : ٨٥].
قال ابن السكيت يقول : ما زلتُ أفْعَلُهُ وما فَتئتُ أفعلُه ، وما بَرِحْتُ أفعلُه ، قال : ولا يُتكلَّم بهنّ إلا مع الجَحْد ، قلت : وربما حَذَفت العرب حَرْف الجحد من هذه الألفاظ ، وهو مَنْوِيٌ كقول الله جلّ وعزّ : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ).
وقال أبو زيد : ما فَتأتُ أذكره أي ما زِلت ، وهما لغتان ما فَتئتُ وما فَتأْتُ.
وقال الفراء : يقال : فَتِئ يَفْتِئ وفتُوَ يَفْتُوُ وأجمعوا على الفتُوَّةِ بالواو ، وفي «نوادر الأعراب» : فَتِئْتُ من الأمر أَفْتَأُ إذا نَسِيتَه وانْقَدَعْتَ عنه ، ورَوَى ابن هانىء عن أبي زيد قال : تميمُ تقول : أَفْتَأْتُ ، وقيسٌ وغيرهم يقولون : فَتِئْتُ ، يقولون : ما أفْتأتُ أذكره إفْتَاءً ، وذلك إذا كنت لا تَزالُ تذكره وما فَتِئتُ أذكرُه ، أَفتأُ فَتْأً.
فوت : قال الليث : فاتَ يفوتُ فَوْتا فهو فَائتُ والمفعول به مَفوتٌ ، وهو من قولك : فاتني فأَنا مَفُوتٌ ، وهو فَائِتٌ ، ويقال : بينهم فَوْتٌ فَائِتٌ ، كما يقال : بَوْنٌ بائِنٌ ، وبينهم تَفَاوتٌ وتَفَوّتٌ.
قال الله جلّ وعزّ : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) [الملك : ٣]. وقُرِئ : من (تَفَوُّتٍ) ، والأول قراءة أبي عمرو ، وقال قتادة : المعنى من اختلاف. وقال السُّدِّيُّ : مِنْ تَفَوُّتٍ مِنْ عَيْبٍ ، يقول الناظر : لو كان كذا كان أحسن ، وقال الفراء : هما بمعنى واحد.
وقيل : (مِنْ تَفاوُتٍ) من اختلاف واضطراب ، والتفاوت التباعد وقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ) [سبأ : ٥١] قال ابن عرفة : أي لم يسبقوا ما أريد به ، وقد افتات عليه في رأيه أي سبقه ومثله قوله : أمثلي يُفاتُ عليه في بناتِه؟
وفي الحديث أن رجلا تَفَوَّت على أبيه في ماله فأَتَى أبوه النبيَّ صلىاللهعليهوسلم فذكر ذلك له فقال : «ارْدُد على ابنك فإنما هو سهم من كنانتك».
قال أبو عبيد قوله : تَفَوَّتَ مأخوذٌ من الفَوْت ، وتَفَعَّل منه ، ومعناه أن الابن فات أباه بمال نفسه فوهَبَه وبَذَّره فأمر النبي الأب بارتجاع المال ورده إلى ابنه ، وأعمله أنه ليس للابن أن يَفتاتَ على أبيهِ بِماله ، وقال أبو عبيد : وكلُّ من أحدثَ دونك شيئا فقد فاتك وافتات عليك فيه ،