بالليل ؛ ومن العرب من يحذف لام ظَلِلْتُ ونحوها حيث يظهران ؛ فأَما أهل الحجاز فيكسِرون الظاء على كَسرة اللام التي أُلْقِيَتْ ، فيقولون : ظِلْنا وظِلتُم والمصدر الظلول ، والأمر منه ظَلَ واظْلَلْ ، وقال الله جلّ وعزّ : (ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) [طه : ٩٧] وقرىء : (ظِلْتَ) عليه ، فمن فتح فالأصل فيه ظَلِلْتَ عليه ، ولكن اللام حُذفت لِثِقَل التَّضْعيف والكَسْر ، وبَقِيتِ الظَّاءُ على فتحها ومن قرأ (ظِلْتَ) بالكسر حَوَّلَ كَسْرة اللام على الظاء ، وقد يجوز في غير المكسور نحو هَمْتُ بذاك أي هَمَمْتُ ، وأَحَسْتُ تريد أَحْسَسْتُ وحَلْتُ في بني فلان ، بمعنى حَلَلْتُ وليس بقياس إنما هي أحرف قليلة معدودة.
وهذا قول حُذَّاق النحويين ، وقوله عزوجل : (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ) [النحل : ٤٨] ، أخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال : محل ما لم تطلع عليه الشمس ، فهو ظِلٌ ، قال : والليل كله ظِلّ ، وإذا أسْفَر الفجر فمن لَدُن الإسفار إلى طُلوع الشمس كُلُّه ظِلٌ ، قال : والفَيْءُ لا يسمى فَيْئا إلا بعد الزوال إذا فاءت الشمس ، أي إذا رجعت إلى الجانب الغربي ، فما فاءَتْ منه الشمس وبقي ظِلا فهو فَيْءٌ ، والفَيّءُ شَرْقي والظِّلّ غَرْبي ، وإنما يُدْعَى الظِّلَ ظلّا من أول النهار إلى الزوال ، ثم يُدْعَى فيئا بعد الزوال إلى الليل وأنشد :
فلا الظِّلَ من بَرْدِ الضُّحَى تَسْتَطيعُه |
ولا الفَيْءَ من بَرْدِ العَشِيِّ تذُوقُ |
قال : وسواد الليل كله ظِلٌ ، وقال غيره يقال : أَظَلَ يَوْمُنا هذا إذا كان ذا سحاب أو غيره ، فهو مُظِلّ ، والعرب تقول : ليس شيء أظل من حَجَر ، ولا أَدفأَ من شجر ، ولا أشدَّ سوادا من ظل ، وكلما كان أرفَعَ سمكا كان مسقط الشمس أبعد ، وكلما كان أكثر عرضا وأشد اكتنازا كان أشد لسواد ظله ، ويزعم المنجمون أن الليل ظِلٌ ، وإنما اسود جدا ، لأنه ظِل كرةِ الأرض ، وبقدر ما زاد بدَنُها في العِظَم ازداد سواد ظلها ، ويقال للميت : قد ضحا ظله.
ومن أمثال العرب : ترَك الظبيُ ظِلَّه ، وذلك إذا نَفَرَ ، والأصل في ذلك أن الظَّبْيَ يَكنِسُ في شِدّة الحرّ فيأتيه السَّامي فيُثيره فلا يعُودُ إلى كِناسِه فيقال : ترك ظِلّه ، ثم صار مثلا لكل نافرٍ من شيء لا يعود إليه ، ويقالُ : انتَعَلتْ المطايا ظِلالَهَا إذا انتصفَ النهار في القيظ ، فلم يَكن لها ظِلّ ، وقال الراجز :
قد وَرَدَتْ تَمْشِي على ظِلَالِها |
وذَابَتْ الشمسُ على قِلَالِها |
وقال آخر في مثله :
* وانْتَعَلَ الظِّلَ فكان جَوْرَبَا*
وفي حديث النبي صلىاللهعليهوسلم أنه ذكر فِتَنا كأنها