[خاتمة الكتاب]
وهذا آخر الكتاب الذي سمّيته «تهذيب اللغة» وقد حَرصت أَلا أُودعه من كلام العرب إلّا ما صحّ لي سماعاً ، من أعرابيّ فَصيح ، أو محفوظاً لإمام ثِقة ، حَسن الضّبط ، مأمونٍ على ما أَدّى.
وأمّا ما يقع في تضاعيف الكتاب لأبي بكر محمد بن دُريد الشاعر وللّيث ، ممّا لم أحفظه لغيرهما ، فإني قد ذكرت في أَول الكتاب أني واقف حروف كَثيرة لهما ، وأنه يجب على الناظر فيها أن يَفحص عنها ، فإن وجدها محفوظة لإمام من أَئمة اللغة ، أو في شعر جاهليّ ، أو بدويّ إسلامي ، عَلِم أنها صَحِيحة ؛ وإذا لم تصحّ من هذه الجهة توقّف عن تصحيحها.
وأما «النوادر» التي رَواها أبو عُمر الزاهد وَأَودعها كتابه ، فإني قد تأمّلتها ، وما عثرت منها على كلمة مصحّفة ، أو لفظة مُزالة عن وجهها ، أو محرفة عن معناها.
ووجدتُ عُظم ما رَواه لأبي عمروٍ الشَّيباني ، وابن الأعرابي ، وأبي زيد ، وأبي عبيدة ، والأصمعي ، محفوظاً من كُتبهم المعروفة لهم ، والنوادر التي رَواها الثقات عنهم.
وليس يَخفى ذلك على مَن درس كُتبهم وعُني بحفظها والتفقّد لها.
ولم أذهب أَنا فيما أَلّفت وجَمعت في كتابي هذا مذهب من تصدَّى للتأليف فجمع ما جمع من كُتب لم يُحكم معرفتها ، أَو لم يَسمعها ممن أَتقنها ، وحمله الجهلُ وقلّةُ المعرفة على تحَصيل ما لم يحصِّله ، وإكمال ما لم يكمّله ، حتى أَفضى به الحال إلى أن صَحّف فأكثر ، وغَيَّر فأخطأ.
ولمّا رأَيْت ما أَلّفْه هذه الطبقةُ ، وجنايتهم على لسان العرب الذي نَزل به الكتاب وَوَردت السنن والأخبار ، وإزالتهم لُغات العرب عن صيغة أَلسنتها ، وإدخالهم فيها ما ليس منها ، علمتُ أَن المميّزين من عُلماء اللغة قد قلّوا في أَقطار الأرض. وأَن من درس تلك الكتب ربما اغترّ بها واتّخذها أُصولاً فبنى عليها ؛ فألّفت هذا الكتاب وأَعفيتُه