والمنهج الذي يصحّح كلتا النسبتين هو منهج الأمر بين الأمرين.
٣. الأمر بين الأمرين في الروايات
لقد تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت ـ عليهمالسلام ـ في فعل الإنسان فيما يثاب به ويعاقب عليه ، بانّه أمر بين الأمرين ، وقد جمع الصدوق القسم الأوفر من الروايات في توحيده ، والعلاّمة المجلسي في بحاره ، ونحن نذكر رواية واحدة ذكرها صاحب «تحف العقول» وهي مأخوذة عن رسالة كتبها الإمام الهادي ـ عليهالسلام ـ في نفي الجبر والتفويض ، ومما جاء فيها :
فأمّا الجبر الذي يلزم من دان به الخطأ ، فهو قول من زعم انّ الله عزّ وجلّ أجبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها ، ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله في حكمه وكذّبه وردّ عليه قوله : (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (١) وقوله : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) (٢) وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٣) فمن زعم انّه مجبر على المعاصي ، فقد أحال بذنبه على الله ، وقد ظلمه في عقوبته ، ومن ظلم الله فقد كذب كتابه ، ومن كذب كتابه فقد لزمه الكفر بإجماع الأُمّة.
ومن زعم انّ الله تعالى فوّض أمره ونهيه إلى عباده فقد أثبت عليه العجز.
لكن نقول : إنّ الله عزّ وجلّ خلق الخلق بقدرته ، وملّكهم استطاعة تعبّدهم بها ، فأمرهم ونهاهم بما أراد ، وهذا ، هو القول بين القولين ليس بجبر ولا تفويض.
__________________
(١) الكهف : ٤٩.
(٢) الحج : ١٠.
(٣) يونس : ٤٤.