٢
التوحيد في الخالقية عند الإماميّة (١)
اتّفق أهل القبلة ـ إلاّ من شذّ كالمعتزلة ـ على التوحيد في الخالقية وانّه لا خالق إلاّ الله سبحانه ، وقد قامت الإمامية منهم بتفسيره بوجه لا ينافي القول بنظام الأسباب والمسبّبات والعلل الطبيعية ومعاليلها ، وإليك حاصل نظريتهم.
إنّ الخالقية المستقلّة النابعة من الذات ، غير المعتمدة على شيء منحصرة بالله سبحانه ولا يشاركه فيها شيء ، وأمّا غيره سبحانه فإنّما يقوم بأمر الخلق والإيجاد بإذن منه وتسبيب ، ويعدّ الكلّ جنوداً لله سبحانه ، يعملون بتمكين منه لهم. ويظهر هذا المعنى من ملاحظة الأُمور التالية :
الأوّل : لا يشك المتدبّر في الذكر الحكيم في أنّه كثيراً ما يُسنِد آثاراً إلى الموضوعات الخارجية والأشياء الواقعة في دار المادة ، كالسماء وكواكبها ونجومها والأرض وجبالها وبحارها وبراريها وعناصرها ومعادنها والسحاب والرعد والبرق والصواعق والماء والأعشاب والأشجار والحيوان والإنسان إلى غير ذلك من
__________________
(١) قلنا «عند الإمامية» ولم نقل عند العدلية ، لأنّ هذا التفسير يختصّ بهم وأمّا المعتزلة الذين يُعدّون من العدلية فقد أنكروا هذا الأصل ، لأجل صيانة عدله سبحانه زاعمين أنّ القول بهذا الأصل يضاد أصل العدل ، غافلين عن أنّ المضاد هو التفسير الأشعري ، لا الإمامي. وقد فصّلنا الكلام في ذلك في محاضراتنا المنتشرة باسم : «الإلهيات» فلاحظ.