الموضوعات الواردة في القرآن الكريم. فمن أنكر إسناد القرآن آثار تلك الأشياء إلى أنفسها فإنّما أنكره باللسان ، وقلبه مطمئن بخلافه ، وسيوافيك في الفصل التالي شيء من الآيات الناصّة على ذلك.
الثاني : انّ القرآن يُسند إلى الإنسان أفعالاً لا يقوم بها إلاّ هو ، ولا يصحّ إسنادها إلى الله سبحانه بلا واسطة ، كأكله وشربه ومشيه وقعوده ونكاحه وحربه وجداله وصلاته وصيامه ، فهذه أفعال قائمة بالإنسان مستندة إليه ، فهو الذي يأكل ويشرب ويحارب ويجادل ويفهم ويصلّي ويصوم وهو سبحانه منزّه عن هذه الأفعال.
الثالث : انّ الله سبحانه أمر الإنسان بالطاعة أمر إلزام ، ونهاه عن المعصية نهيَ تحريم ، فيجزيه بالطاعة ، ويعاقبه بالمعصية. فلو لم يكن للإنسان دور في ذلك المجال ، وتأثير في الطاعة والعصيان فما هي الغاية من الأمر والنهي ، وما معنى الجزاء والعقوبة؟!
وهذه الأُمور الثلاثة إذا قارنها الباحث إلى قوله سبحانه : (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (١) الذي يدلّ على بسط فاعليته وعلّيته على كلّ شيء ، يستنتج منها انّ النظام الإمكاني على اختلاف هويّاته وأنواعه ، فعّال ومؤثر في آثاره ، لكن بتقديره سبحانه ومشيئته وإذنه وهو القائل جلّ وعلا : (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (٢) والقائل تعالى : (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) (٣) ، وأنّ مظاهر الكون وأعمالها وآثارها وحركاتها وسكناتها تنتهي إلى قضائه وتقديره وهدايته وإجرائه نظام الأسباب والمسببات في صحيفة الكون.
__________________
(١) الرعد : ١٦.
(٢) طه : ٥٠.
(٣) الأعلى : ٣.