معنى «المساواة» هو قيامه تعالى بكلّ شيء مباشرة ، وخلع التأثير عن الأسباب والعلل ، بل يعني أنّ الله سبحانه يُظهر قدرته وسلطانه عن طريق خلق الأسباب ، وبعث العلل نحو المسببات والمعاليل ، والكلّ مخلوق له ، ومظاهر قدرته وحوله ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.
فالأشعري ، خلع الأسباب والعلل ـ وهي جنود الله سبحانه ـ عن مقام التأثير والإيجاد ، كما أنّ المعتزلي (١) عزل سلطانه عن ملكه وجعل بعضاً منه في سلطان غيره ، أعني : فعل العبد في سلطانه.
والحقّ الذي عليه البرهان ويصدّقه الكتاب هو كون الفعل موجوداً بقدرتين ، لكن لا بقدرتين متساويتين ، ولا بمعنى علّتين تامّتين ، بل بمعنى كون الثانية من مظاهر القدرة الأُولى وشئونها وجنودها : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ) (٢) وقد جرت سنّة الله تعالى على خلق الأشياء بأسبابها ، فجعل لكلّ شيء سبباً ، وللسبب سبباً ، إلى أن ينتهي إليه سبحانه ، والمجموع من الأسباب الطولية علّة واحدة تامّة كافية لإيجاد الفعل ، والتفصيل يطلب من محله ، ونكتفي في المقام بكلمة عن الإمام الصادق ـ عليهالسلام ـ : «أبى الله أن يجري الأشياء إلاّ بأسباب ، فجعل لكلّ شيء سبباً وجعل لكلّ سبب شرحاً». (٣)
__________________
(١) قد تقدّم في ص ١١٠ انّ المعتزلة ، أنكرت هذا الأصل من رأس ، لغاية حفظ عدله وتنزيهه من الظلم والعمل السيّئ ، وزعمت انّ وجود الإنسان مخلوق لله وفعله مخلوق لنفس الإنسان فقط ، فأخرجت أفعال العباد عن سلطان الله تبارك وتعالى ، ونعم ما قال الإمام الكاظم ـ عليهالسلام ـ : «مساكين القدرية أرادوا أن يصفوا الله بعدله ، فأخرجوه عن سلطانه» وسيوافيك في خاتمة المطاف ما يفيدك في المقام.
(٢) المدثر : ٣١.
(٣) الكافي : ١ / ١٨٣ ، باب معرفة الإمام ، الحديث ٧.