المرحلة الأُولى
في تبيين النظرية وتفسيرها
يظهر من غير واحد من كُتّاب تاريخ العقائد والمناهج الكلامية انّ الإمام الأشعري لم يكن مبتكراً لنظرية الكسب ، بل لها جذور في كلمات من سبق عليه كجهم بن صفوان (المتوفّى ١٢٨ ه) وضرار بن عمرو العيني الذي يعدّ من رجال منتصف القرن الثالث.
قال القاضي عبد الجبار : إنّ جهم بن صفوان ذهب إلى أنّ أفعال العباد لا تتعلّق بنا وقال : إنّما نحن كالظروف لها ، حتى أنّ ما خلق فينا كان وإن لم يخلق لم يكن.
وقال ضرار بن عمرو : إنّها متعلّقة بنا ومحتاجة إلينا ، ولكن جهة الحاجة إنّما هي الكسب ، فقد شارك جهماً في المذهب وزاد عليه في الإحالة. (١)
إنّ الشيخ الأشعري نقل في كتاب «مقالات الإسلاميّين واختلاف المصلّين» انّ ضرار بن عمرو ممّن كان يذهب إلى أنّ العبد كاسب ، قال : والذي فارق ضرار بن عمرو به المعتزلة ، قوله : إنّ أعمال العباد مخلوقة وانّ فعلاً واحداً لفاعلين أحدهما خَلَقَه وهو الله ، والآخر اكتسبه وهو العبد ، وانّ الله عزّ وجلّ فاعل لأفعال العباد في
__________________
(١) شرح الأُصول الخمسة : ٣٦٣.