٢. التحسين والتقبيح في إطار المصالح والمفاسد
تؤكد هذه النظرية على القول بالتحسين والتقبيح العقليّين ، لكن بالنظر إلى المصالح والمفاسد المترتبة على الفعل ، ففي هذه النظرة لا يكون الفعل بما هو هو ، موضوعاً للحسن والقبح كما عليه النظرية السابقة بل باعتبار كونه مبدأ للمصالح والمفاسد ، وربّما يعبّر عن المصالح والمفاسد ، بالأغراض والمقاصد.
والمراد منها ، هي الأغراض النوعية لا الشخصية وإلاّ يلزم الهرج والمرج في وصف الأفعال ، فإنّ الظلم يؤمِّن غرض الظالم ، دون المظلوم فيوصف بالقبح عند الأوّل دون الثاني ، بل المراد المصالح والأغراض العقلائية التي يدور عليها بقاء النظام وهذا كالعدل فانّه حسن إذ به قوام النظام ، والظلم فانّه قبيح لأنّه هادم للنظام.
وسيوافيك انّ وصف الأفعال بالحسن والقبح باعتبار الآثار المترتّبة عليها وإن كان صحيحاً ، لكنّه يصلح لوصف قسم من الأفعال بهما وهو أفعال الإنسان الذي يحمل فعْلُه المصلحةَ النوعية أو مفسدتها ولا يشمل فعل الله سبحانه فإن فعله يوصف بالحسن والقبح دون أن يكون هناك حديث المصلحة أو المفسدة كأخذ البريء بذنب المجرم ، ونقض العهد والميثاق ، وإساءة المحسن فانّه قبيح من دون أن يكون هنا أي فساد ، فشمولية المسألة ، لفعل المولى سبحانه وعبده يقتضي خروج هذا النوع من الحسن والقبح عن محط البحث.
وبما انّ الغاية الكبرى من الخوض في هذه المسألة ، هو التعرف على أفعاله سبحانه وتمييز ما يجوز عليه عمّا لا يجوز ، فلا محيص من القول بأنّ الملاك لوصف الفعل بالحسن والقبح في إطار عام حتّى يشتمل فعله سبحانه ، هو الملاك الأوّل ، أي ما يكون الفعل بما هو هو ، مجرّداً عن القيود التالية :