٤. الشيخ عبده (١٣٢٣١٢٦٦ ه) ، وتأثير قدرة العبد في فعله
لم نجد بين رحيل الشيخ الشعراني عام ٩٣٧ ه ـ إلى عصر مفتي الديار المصرية من ينفض غبار التقليد عن تفكيره ، ولعلّ في هذه الفترة رجالاً أحراراً في التفكير ، وصلوا إلى ما وصل إليه إمام الحرمين ومن جاء بعده ، وعلى كلّ تقدير فقد خالف الشيخ محمد عبده ، الرأي السائد على الأزهر والأزهريين وقام بوجههم وصرح بتأثير قدرة العبد في فعله.
كانت العقيدة الإسلامية في مصر تتجلّى في المذهب الأشعري وكان إنكار العلّية والمعلولية والرابطة الطبيعية بين الطبائع وآثارها من أبرز سمات ذاك المذهب ، وكان التفوّه بخلافه ، آية الإلحاد والكفر ، وقد شنّ الماديون على هذه العقيدة أُموراً ملئوا بها صحفهم وكتبهم ، منها :
١. إنّ الإلهيّين لا يعترفون بناموس العلّية والمعلولية ، وينكرون الروابط الطبيعية بين الأشياء وآثارها ، مع أنّ العلم ـ بأساليبه التجريبية المختلفة ـ يثبت ذلك بوضوح.
٢. إنّ الإلهيّين يعترفون بعلّة واحدة وهي الله تعالى ، وهم يقيمونه مقام جميع العلل ، وينسبون كلّ ظاهرة مادية إليه سبحانه ، وأحياناً إلى العوالم العِلْوية التي يعبّر عنها بالملك والجن والروح.
٣. إنّ الإلهيّين ـ بسبب قولهم بأنّ أفعال العباد مخلوقة لله سبحانه ـ لا يعتقدون بدور للإنسان في حياته وعيشه ، فهو مجبور في السير على الخط الذي يرسمه له خالقه ، ومكتوف الأيدي أمام تلاطم أمواج الحوادث ، فلأجل ذلك لا يؤثّر في الإنسان شيء من الأساليب التربوية ولا يغيره إلى حال.
إلى غير ذلك من الإشكالات والمضاعفات والتوالي الفاسدة ، التي لا تقف