وأفضل جملة تعبر عن هذه العلقة الوثيقة قوله سبحانه : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) (١) وقوله سبحانه : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) (٢) ومفاد هاتين الآيتين هو كونه سبحانه مع كلّ موجود إمكاني من دون فرق بين الإنسان وفعله.
وليس المراد من المعية هو حلوله سبحانه في ذوات الأشياء وآثارها ، بل المراد هو المعية القيومية.
وقد ذكر صدر المتألّهين تمثيلاً في المقام ، وإليك بيانه :
إذا أردت التمثيل لتبيين كون الفعل الواحد فعلاً لشخصين على الحقيقة ، فلاحظ النفس الإنسانية ، وقواها ، فالله سبحانه خلقها مثالاً ، ذاتاً وصفة وفعلاً ، لذاته وصفاته وأفعاله ، قال سبحانه : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ). (٣) وقد أُثر عن النبي والوصي القول بأنّه «من عرف نفسه ، عرف ربّه». (٤)
إنّ فعل كلّ حاسّة وقوة من حيث هو فعل تلك القوة ، فعل النفس أيضاً ، فالباصرة ليس لها شأن إلاّ إحضار الصورة المبصرة ، أو انفعال البصر منها ، وكذلك السامعة ، فشأنها إحضار الهيئة المسموعة أو انفعالها بها ، ومع ذلك فكلّ من الفعلين ، كما هو فعل القوة ، فعل النفس أيضاً ، لأنّها السميعة البصيرة في
__________________
(١) الحديد : ٤.
(٢) المجادلة : ٧.
(٣) الذاريات : ٢٠ ـ ٢١.
(٤) غرر الحكم : ٢٦٨ ، طبعة النجف. وروي عن أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ قوله : «أعلمكم بنفسه أعلمكم بربه» أمالي المرتضى : ٢ / ٣٢٩.