٣
تقسيم القضايا إلى ضرورية وغير ضرورية
تنقسم الحكمة النظرية إلى ضروريّة وغير ضروريّة ، فالقسم الأوّل ما يحضر في النفس بلا نظر ، والقسم الثاني ، ما يحصل فيها بعد إعمال الفكر والنظر. وجه التقسيم انّه لو كانت القضايا بأجمعها ضرورية لما احتاجت إلى التفكير ولم يكن هناك أية مشكلة فكرية ، ولو كانت بأسرها غير ضرورية لتاه الإنسان في دوّامة من المشاكل الفكرية دون أن يجد حلولاً لها ، لأنّ المفروض كون القضايا على نمط واحد ، فلم يكن بد من أن تكون القضايا في الحكمة النظرية منقسمة إلى قسمين حتّى يستمد في حل غير الضروري ، من الضروري.
فكما أنّ القضايا في الحكمة النظرية تنقسم إلى قسمين ، فهكذا الحال في الحكمة العملية تنقسم إلى ضرورية وغير ضرورية بنفس الدليل السابق في الحكمة النظرية ، فانّ القضايا التي يحكم العقل بحسنها أو قبحها ، وبالتالي يمدح الفاعل ويذمُّه ويُلزم العمل على وفقه أو الاجتناب عنه لا تخلو من حالتين :
١. إمّا أن تكون قضايا واضحة يدركها العقل بلا توسيط مقدّمة ، وهي القضايا الضرورية في الحكمة العملية.
وامّا أن لا يدركها إلاّ بإرجاعها إلى قضايا أُخرى حتّى تنتهي إلى أُم القضايا العملية الضرورية لتكون مفتاحاً لحمل سائر القضايا.