على قانون يريد أن يستكشفه ويفرغه في قالب العلم ، وأمّا إذا اعتقد خلاف ذلك وانّه ليس للعالم إلاّ علّة واحدة وأنكر الأنظمة والسنن فلا يجد في نفسه باعثاً نحو الفحص والتحقيق ، إذ لا علم له بوجود السنن والأنظمة حتّى يبحث عنها ، فدعامة العلم لا تقوم إلاّ بالقول بأنّه سبحانه تبارك وتعالى خلق العالم على نظام خاص وأجرى فيه شيئاً هو مظاهر علمه وقدرته.
وقد جرت سنّة الله تعالى على خلق الأشياء بأسبابها ، فجعل لكلّ شيء سبباً وللسبب سبباً إلى أن ينتهي إلى الله سبحانه ، والمجموع من الأسباب الطولية علّة واحدة تامّة كافية لايجاد الفعل ، ونكتفي في المقام بكلمة عن الإمام الصادق ـ عليهالسلام ـ حيث قال : «أبى الله أن يجري الأشياء إلاّ بأسباب ، فجعل لكلّ شيء سبباً وجعل لكلّ سبب شرحاً». (١)
الأمر الثالث نظرية «مالبرانس»
إنّ المنقول عن الفيلسوف الفرنسي «مالبرانس» (١٦٣١ ـ ١٧١٥ م) يتّحد مع نظرية الأشعري حرفاً بحرف ، ومن المظنون أنّه وقف على بعض الكتب الكلامية للأشاعرة ، فأفرغ نظرية الكسب حسب ما تلقّاه من تلك الكتب في كتابه ، وحاصل ما قال :
إنّ كلّ فعل إنّما هو في الحقيقة لله ، ولكن يظهر على نحو ما يظهر ، إذا تحقّقت ظروف خاصة إنسانية أو غير إنسانية حتّى لكأنّها يخيّل للإنسان أنّ الظروف هي التي أوجدته.
فهذه النظرية أولى بأن تسمّى بنظرية الاتّفاقية ، أو نظرية الظروف
__________________
(١) الكافي : ١ / ١٨٣ ، باب معرفة الإمام ، الحديث ٧.