الثانية : إرادته سبحانه هو ابتهاجه بذاته
هذه هي النظرية الثانية التي اختارها بعض المحقّقين من مشايخ مشايخنا ـ قدّس الله أسرارهم ـ فقد فسّر الإرادة بالابتهاج وجعل له مرحلتين :
١. الابتهاج الذاتي وهو الإرادة في مقام الذات.
٢. الابتهاج الفعلي ينبعث من الابتهاج الأوّل قائلاً : فإنّ من أحب شيئاً أحبّ آثاره ، وهذه المحبة الفعلية هي الإرادة في مقام الفعل وأسماها بالإرادة الفعلية ، فقال في كلام مبسوط :
«لا ريب عند أهل النظر أنّ مفاهيم الصفات ـ حسبما يقتضيه طبعها ـ متفاوتة متخالفة ، لا متوافقة مترادفة ، وإن كان مطابَقها واحداً بالذات من جميع الجهات ، فكما أنّ مفهوم العلم غير مفهوم الذات وسائر الصفات ، وإن كان مطابَق مفهوم العلم والعالِم ، ذاته بذاته ؛ حيث إنّ حضور ذاته لذاته ، بوجدان ذاته لذاته ، وعدم غيبة ذاته عن ذاته ، كذلك ينبغي أن يكون مفهوم الإرادة بناء على كونها من صفات الذات ـ كمفهوم العلم ـ مبايناً مع الذات ومفهوم العلم ، لا أنّ لفظ الإرادة معناه العلم بالصلاح ، فانّ الرجوع الواجب هو الرجوع في المصداق ، لا رجوع مفهوم إلى مفهوم. ومن البين أنّ مفهوم الإرادة ـ كما هو مختار الأكابر من المحقّقين ـ هو الابتهاج والرضا ، وما يقاربهما مفهوماً ، ويعبّر عنه بالشوق الأكيد فينا.
والسرّ في التعبير عنها بالشوق فينا ، وبصرف الابتهاج والرضا فيه تعالى : أنا لمكان إمكاننا ناقصون غير تامّين في الفاعلية ، وفاعليتنا لكلّ شيء بالقوة ، فلذا نحتاج في الخروج من القوة إلى الفعل إلى أُمور زائدة على ذواتنا ـ من تصوّر الفعل والتصديق بفائدته والشوق الأكيد ـ المميلة جميعاً للقوة الفاعلة