قبيح عقلاً لا يصدر منه سبحانه ، فلو لم يثبت هذا الأصل بحكم العقل لا يمكن الإذعان بصدق دعواه لاحتمال انّ المزوَّد بالمعاجز ، مدّع كاذب ، إذ لم يثبت بعدُ قبح تسلط الكاذب على المعاجز والبيّنات.
ولو صدع الشارع بأنّه لا يسلط الكاذب على القوة الخارقة ، لا يمكن الإيمان بصدق قوله ، لعدم ثبوت قبح الكذب على الشارع كما مرّ في الدليل الأوّل.
يقول العلاّمة الحلّي حول هذا الدليل : لو كان الحسن والقبح سمعيّاً لا عقلياً ، لما قبح من الله شيء ، ولو كان كذلك لما قبح منه تعالى إظهار المعجزات على يد الكاذبين ، وتجويز ذلك يسدّ باب معرفة النبوة إذ إظهار المعجزة بعد ادّعاء النبوة لا يكون دليلاً لصدق ادّعائه إذا كان باب احتمال إظهار المعجزة على يد الكاذب مفتوحاً. (١)
الرابع : الحسن والقبح العقليان في الذكر الحكيم
من سبر القرآن الكريم وأمعن في دعوته إلى الصلاح والفلاح يقف على أنّ القرآن يتّخذ وجدان الإنسان قاضياً ليحكم في قضايا كثيرة بشيء يرجع إلى الحسن والقبح ، فالآيات التي نتلوها عليك تُسلّم انّ الإنسان الحرّ المجرّد عن سائر النزعات ، قادر على درك حسن الفعل أو قبحه ، ولذلك يترك القضاء فيها إليه ويقول :
١. (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ). (٢)
__________________
(١) نهج الحقّ وكشف الصدق ، ٨٤ بتصرف.
(٢) ص : ٢٨.